النفع الانساني وامتداداته الحضارية

النفع الانساني وامتداداته الحضارية
سليم الجصاني

ـ في الجانب الآخر حيث تسكن لغة العقل بعيداً عن لغة الغاب نشهد بشيرية أخرى تفكر بطريقة مختلفة تماماً وهي التي تحمل تصورات حقيقية لخلافة الله على الارض

اطلق صموئيل هنغتون مصطلح (صدام الحضارات) الذي يطرح تصور تشاؤمي لمستقبل البشرية وهو مصطلح يفهم منه الدفع الحضاري الناتج عن النخبوية الفكرية باتجاه الصراع وهو يكاد يضارع مصطلح (صراع الحضارات) الذي تطلقه نخب ثقافية للتعبير عن هذا الموضوع والاخير اقل وطأ من الاول فالصراع تنازع من اجل الغلبة لإتجاه ما، واما صدام الحضارت فهو تنازع فوضوي لا يؤدي الى هدف محدد.

في حين ذهب روجيه غارودي الى اطلاق مصطلح (حوار الحضارات) وارى ان هذا المصطلح انسب بكثير مما ذكره هنغتون فالحضارة منتج العقل الذي يدعو الى الاتزان والاستقرار؛ وترك الحسن ليأخذ موضعه عن طريق التفكير.

اذن فالحضارة هي لغة العقل والعقل يذهب الى الحوار ولا يقر الصراع... وهذا المصطلح نال اعجاب كثير من المفكرين ولا سيما رئيس ايران السابق الدكتور محمد خاتمي صاحب كتاب (بيموج) وكتب أخرى والذي راح يروج له في المحافل العالمية مما اعطاه دفعا كبيرا جعل جمعا غير قليل يتبنونه.

في حين يرى المفكر الاسلامي زكي الميلاد ان الافضل هو تبني مصطلح (تعارف الحضارات) وقد توصل الى مصطلحه هذا من خلال فهمه لقوله تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }الحجرات13. و في كتاب (تعارف الحضارات) الذي اعده مجموعة من الباحثين يرى الاستاذ زكي ميلاد ان مقولة (تعارف الحضارات) "تسعى الى تطوير مستويات الفهم في النظر الى عالم الحضارات والسعي لاكتشاف آفاق جديدة او غائبة تساهم في تجديد العلاقات على اساس المعرفة المتبادلة من خلال بناء جسور المعارف لازالة كافة صورة الجهل والتخلص من رواسب واشكاليات القطيعة".

وان كان الامر كما يذهب اليه الميلاد فان ذلك يعني فيما نتصور هو التعارف الايجابي الذي يؤسس لحياة انسانية هادئة تبتعد عن التأزيم الذي شهدته الانسانية منذ بداياتها وحتى عصرنا هذا.

ولعل ما ذهب اليه صموئيل هو نتيجة لما يشهد في العالم على مر العصور وايسرها الحربين الكونيتين في القرن العشرين واللتان شهدتا اعنف ابادة بشرية تشهدها الانسانية في عصرنا الحديث حيث طُحِن ملايين البشر ودُمرت المَدَنية وهُدمت ابرز عواصم ومدن العالم المتحضر.

الا ان هذا الامر هو جانب من المشهد الانساني وليس كل المشهد ففي الجانب الآخر حيث تسكن لغة العقل بعيداً عن لغة الغاب نشهد بشيرية أخرى تفكر بطريقة مختلفة تماماً وهي التي تحمل تصورات حقيقية لخلافة الله على الارض {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ }الأنبياء105وهذه البشرية ترى ان الانسان وما تعلق به من مسكن وخدمات ووضع امني بحاجة الى بناء واشادة تدفع به الى التفكير كي يبدع فيما ينتج ولا غرابة في ذلك اذ ان العقل بحاجة الى الاستقرار النفسي والامني والاقتصادي كي يُنّضج حياة انسانية نابغة وفاعلة.

ومن هنا نلحظ ان للانسان اكثر من مشهد وهو في اقله يعتمد على مشهدين اولهما يدعو الى الحوار وهو مشهد يعتمد في تكوين سيمئايته على تعاليم السماء حيث قوله تعالى {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ }فصلت34 وهذا المشهد يعتمد لغة العقول وتصورات النخبة.

وفي الجانب الآخر مشهد يدعو الى الصراع حيث يعتمد هذا النوع على دعم القوة واعتماد الغلبة والتأسي بلغة الغاب.

واما التعارف فهو يدعو الى التحفيز على وفق الرؤية القرآنية له حيث قال تعالى ((لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم)) والاكرام هو الارفع منزلة والاتقى هو الانفع ودليل ذلك الاحاديث النبوية حيث قال الرسول الاكرم(ص) : (خير الناس من نفع الناس) ولم يرد خير الناس من نفع نفسه او اهله او بلده او المسلمين بل من نفع الناس بشكل عام كي تكون الحضارة او الحضارات التي نتطلع اليها على اساس الحوار والتعارف الذي يفضي الى النفع البشري.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 9 آب/2007 -25/رجب/1428

المصدر:
http://www.annabaa.org/nbanews/65/278.htm

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك