التصوف وحوار الحضارات

إبراهيم الوراق
ما لابد منه
إنني سأدلي بدلوي في هذا الموضوع الشائك من وجهة صوفية، وسأحاول أن أقف وقفات مع مجموعة من قضايا الحوار الديني والحضاري والثقافي فيما بين مكونات الثقافة الإسلامية وغيرها، وسأبين كثيرا من المواقف الرائعة التي تؤكد قيمة وجود هذه القيم الكبرى عند الصوفية الذين يعتبرون في تقدير البعض سكانا من الدرجة الثانية، أو أقليات تعيش على هامش الأحداث المتأججة في عالمنا المعاصر، والسبب الكامن من وراء هذا، أنني نظرت بعين قلبي إلى أهيل الدين، فوجدت تفاوتا فيما بين النص المؤسس، وراهنية الحال، فتذكرت أنني مطالب باستكشاف السر المغروس في تفاصيل التجربة، فشمرت عن ساق البحث حتى تعرفت على ما وراء الأكمة، وحينها حصل المراد، وظهر القصد، ثم عن لي أن أخاطب نفسي بحديث الروح، ووحي العقل، فخاطبتها بلغة لا تجيد سواها، وإشارات لا تقوم الدلالة بالبيان مقامها، لكنها وإن شاغبت بالتطاول، فالحياة قد أحيت فروع الكلام بداخلها، وأهاجت كل إحساس يرنوا مني إلى غيرها، وأنبتت في قلبي ورودا بدت لغيري ذابلة، وأزهارا ترمقها عيون العجلى يابسة، وأنا أعاينها لحظة من لطف الله الخفي، وحين تمددت الأفكار في المقالين الأولين(جذور التصوف، وأهمية التصوف)، هام مني القصد إلى أن أبين وجهة نظر صوفية في أمر تعجلته الأقلام بالكتابة، وتواترته الأفواه بالأحدوثة، وتناولته بالكلام، حتى عد من مواضيع الساعة. والله المقصود.
بارقة
إن العالم يعيش صراعا محتدما فيما بين القوى القوية المتدافعة على الاستيلاء والهيمنة العالمية، وبين القوى الضعيفة التي تريد الإبقاء على خصوصياتها وهوياتها المحلية، والتاريخ المؤسس اليوم، يشهد عراكا حادا بين ثقافات مستبدة تستغل التطور العلمي لفرض سيطرتها، وبين ثقافات إقليمية لم يكتب لها أن تهب من رقدتها، وأن تنفض غبار العجز والكساد عنها، وهذا الصراع المحتد فيما بين الشرق والغرب، أو فيما بين الإسلام والغرب، أو فيما بين الهلال والصليب، أو فيما الكنيسة والمسجد، هو جزء من تاريخ متعفن يرخي بظلاله على أفئدة كثير من صاغة الفكر والسياسة لدى الإتجاهات التي تريد إطالة ذيل هذا التحارب فيما بين الحضارات والثقافات والديانات إلى أمد لا يعرف نهايته إلا من يريد من هنا أومن هناك مستمرا ليكون وسيلة للقهر والاستلاب والاستعباد، ومنطلقا لتوسيع الفجوات فيما بين شعوب الأرض التواقة إلى عالم يسوده الأمن والاستقرار.
ولأمر ما، ومنذ زمان يضرب في عمق التاريخ بجذوره، تخوض أمة الإسلام غمار هذا الصراع، فأراضيها كانت مسرحا لكبرى الأحداث التي حصلت تحت مجهر الرأي العالمي، وسكانها كانوا حلبة لتجريب أنواع كثيرة من الأسلحة المدمرة للكون والإنسان، وخيراتها كانت مرمى نظر كثير من الظرفاء الذين أرادوا أن يعلموها كيفية إنفاقها، وطريقة التصرف فيها، ووسائل الحفاظ عليها، وهذا الوضع بمأساويته يدل على فساد الضمائر والقلوب، وينذر بشؤم يؤلم شجاه كل فضيل، يريد أن يرى الكون مراحا تتسامى في الإنسانية عن الأطماع الخسيسة، والأغراض الدنيئة، وتتعالى فيه عن كثير من الأسئلة التي تهز أذهان الفضلاء من أبناء هذه الأمة، وهم يتساءلون عن موقعهم الحقيقي في هذا الوجود، ويبحثون لأنفسهم عن منطلق يستوحون منه موقفهم، ويؤسسون عليه نظرهم، ويستبصرون به طريقهم، فهل الصراع سيمتد فيما بين الحضارات مع قيام الحجة عقلا ودينا وواقعا على وجوب تجاوزه؟؟ أم لا بد من مواصلة النداء للتحاور والتشارك والتفاعل فيما بين الأمم ؟؟
إن حضارة اليوم تحركت من دائرة النفع، وإزالة الضرر، إلى حضارة مدمرة تلوث الإنسان، وتهدم الكون، وتنسف القيم، وتبني الأحقاد، وتؤسس للكره، والإنسانية في مستقبلها على ضوء هذه المعطيات، ستعيش كارثة هوجاء، وزلزالا عنيفا، يعصف بقيمها، ويقضي على حياتها، وهذا ما يهدد الكون، وسيجعل مآله الدمار والخراب، ونهايته العبثية والفوضى، والذي يدرس أدبيات العنف المستشري هنا وهناك، ويرى نزوة التسابق المجنون نحو التسلح، ويلمس هوة التفاوت الطبقي فيما بين مكونات المجتمعات، سيدرك لا محالة هذه المساحة التي تقف حاجزا فيما بين الإنسان، ووسائل إنتاج السعادة في هذا الكوكب المتشاكس، وسيلحظ إخفاق كل المنظومات التي يطبل لها قديما وحديثا- سواء كانت دينية أو سياسية أو فكرية أو ثقافية - عن إيجاد نعيم آمن للإنسان الموجود في وجوده بطموح العيش الكريم، ورغبة في الحياة الوديعة، وسيجد عجزها عن تلافي الضرر المحدق، والكارثة المرتقبة.
ومن باب استشعار المسئولية، قد قامت دعوات صارخة في الغرب والشرق، تنادي بالوقوف في طريق هذا الطوفان المهدد للوجود البشري، وتطالب بتجاوز هذا الخطر الزاحف على كيان المجتمعات الإن