هل الإسلام في حاجة للإخوان؟

بقلم : محمد أبو بطه
كثر الكلام هذه الأيام عن الجماعات الدينية وأهميتها وجدواها - علي اختلاف مسمياتها – للإسلام والمسلمين! وفي مقدمة هذه الجماعات جماعة الإخوان المسلمين وما يدور حولها من علامات استفهام كثيرة؟.
فيتساءل البعض عن قانونيتها ومشروعيتها؟ ويتساءل البعض عن هدف الجماعة ؟ هل هو الدعوة إلي الله والأسوة الحسنة؟ أم الهدف الوصول إلي سدة الحكم باستخدام الدين كغطاء للهدف الأساسي وهو الحكم؟.
يعرف المسلمون جميعا أن الدين قد كمل في حياة سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم وذلك كما نعلم بالنص القرآني (اليوم أكملت لكم دينكم ) كما قال صلي الله عليه وسلم في خطبة الوداع (اليوم عاد الزمان كيوم خلقه)، لقد ترك النبي محمد الأمة علي المحجة البيضاء ليلها كنهارها بكل وضوح .. فما المعني من وجود جماعات دينية؟!.
ولكن الدين عند كل أصحاب الديانات يمر بمراحل ضعف في نفوس معتنقيه فيحتاج الأمر إلي التجديد والتوجيه، في كل الديانات يتم هذا الأمر بلا استثناء وكل المهتمين بالديانات وتطور الجماعات والمذاهب الدينية يعرفون هذا الأمر جيداً، ويكفي مذهب البروتستانت المسيحي كبرهان عملي علي الدين المسيحي لهذا المنهج!.
أما الدين الإسلامي فقد مر بمراحل كثيرة من الضعف في النفوس يعقبها هجوم من القوي المعادية فتدور العجلة مرة ثانية لتقاوم الاحتلال وتنهض الأمة ثم تعود بعد فترة لمرحلة الضعف وهكذا، وفي كل مرة تخرج جماعة بفكر جديد وكأن العيب في الدين نفسه وليس في النفوس ؟!.
الملاحظ أن كل من يريد نصراً شخصيا يؤسس لجماعة ويطلق عليها لقبا يوحي أنه المخلص والمنقذ للإسلام والأمة ! خاصة بعد سقوط دولة الخلافة الإسلامية في عشرينيات القرن الماضي فخرجت علينا في الثلاثينيات جماعة الإخوان المسلمين علي أيدي مؤسسها الراحل حسن البنا بشعاراتها المختلفة ! فظن الناس أن الجماعة جاءت لتعيد دولة الخلافة الإسلامية التي كانت قريبة السقوط في الأذهان فتعاطف الناس معها خاصة العامة الذين لا يعرفون من الدين إلا الصلاة والصوم والزكاة والحج بعد الشهادتين !.
لقد كان ضعف النفوس السبب الرئيسي لسقوط دولة الخلافة فالتقط الراحل حسن البنا الخيط ليعيد إلي النفوس ثقتها لتنهض الأمة لتعود دولة الخلافة الإسلامية، فهل تقوية النفوس يحتاج إلي جماعة تحيط منتسبيها فقط دون غيرهم بكل شيء أما الآخرين لا شيء؟! وكأنها تقول للناس إن شرط الانتماء للجماعة هو الدليل العملي علي تقوية ثقة الناس! فهي تصف منتسبيها دون غيرهم بكل المعاني العظيمة وتحيطهم بشيء من التعظيم والتبجيل والعطف وتعصف بالآخرين !.
ولا يقف الأمر عند هذا الحد بل أنها تعطي لمرشدها صفة التقديس والسمع والطاعة العمياء! وكلما سمعت ونفذت بلا نقاش تكون فرصتك للتصعيد أكبر وتزداد درجتك كلما زادت درجة سمعك وطاعتك! أما إذا أردت أن يكون لك رأيا ولا تسلم ولا تنقاد بسهولة فأنت خارج الحسابات مهما كانت قوتك الفكرية والشخصية ! أي أن الجماعة تعلم الناس الطاعة وعدم التفكير وعدم إبداء الرأي في أي شيء فأين تقوية الثقة والنفس؟!.
إن الإسلام ونبي الإسلام علم الناس التفكير والتدريب علي القيادة لا التدريب علي الانقياد بلا تفكير!ويكفي حوار النبي مع معاذ بن جبل عندما أرسله إلي اليمن وهو في مطلع العشرينيات من عمره بما يحكم؟ فأجابه معاذ بكتاب الله ثم سنة رسوله ثم لا يألو جهده! فالمنهج الإسلامي والنبي الكريم أكثر فهما للبشر من الآخرين فهل تتفق أساليب الجماعة مع المنهج الإسلامي والمنهج النبوي؟!
هل الإسلام كدين يحتاج إلي مثل هذه الجماعات وعلي رأسها جماعة الإخوان المسلمين لإصلاح حال المسلمين؟!
هل ترك النبي محمد شيئا ليأتي بعده مرشدا وهاديا وهو الهادي البشير؟!
لقد قال النبي أن الله يبعث كل مائة عام مجددا! ولم يقل أن الله يبعث مرشدا أو هاديا! والتجديد يعني إعادة إحياء المفاهيم في ظل المستجدات الدنيوية والحاجة إلي تطوير مفهوم الفتوي في ظل التطور التقني، علي سبيل المثال ظهور الطيران الذي اختصر الوقت في السفر بين الدول وأصبحت المسافة المجيزة لإفطار الصائم المسافر لحظات وليست ساعات!.
هكذا يكون عمل المجدد وقد يكون التجديد فكريا أو فقهيا أو علميا أو مفسرا مثل الشيخ الشعراوي رحمه الله .
إن الإسلام أكبر من أي جماعة مهما كانت ! فلقد كمل الإسلام في حياة الهادي البشير محمد صلي الله عليه وسلم ولم تعد هناك حاجة لظهور دعوة جديدة بمرشد جديد إلا إذا كان هذا المرشد يريد أن يدلنا إلي دين جديد بأتباع جدد!.
في ظل اضطهاد الحكام لكل متمسك بدينه ظهرت الجماعات وقويت في السر وعملت في السر في كل العصور وكلما زاد اضطهاد الحكام زاد التعاطف الشعبي مع هؤلاء نكاية في الحكام وظلمهم !.
أي أن ظلم الحاكم وفساده هو السبب المباشر لظهور تلك الجماعات وقوتها ! وفي كل عصور الظلم والفساد ظهرت جماعات دينية سرية وتعددت مسمياتها وهدفها واحد فهي تسعي لإسقاط الحاكم وتصدر الفتاوي الشرعية وتستميل العامة من الناس والدهماء وهي تريهم الجنة أمامهم حال استشهادهم فيسارعون للشهادة ونيل الجنة الموعودة حتي لو كان بعملية انتحارية أو قتل أبرياء !.
هكذا تسيطر تلك الجماعات علي أتباعها بمبدأ السمع والطاعة المطلقة ! فإذا أردت أن تناقش عضو الجماعة في سلطة المرشد أو مبدأ السمع والطاعة فلا يقبل كأنه سيخرج من ملة الإسلام إذا ناقشك أو تناقش في هذا الأمر الخطير وتجده يستغفر الله كأنك تنطق كفراً!.
نحن نعيش في مصر هذه الأيام دراما الجماعة والسياسة! فقد كشفت الجماعة عن وجهها الحقيقي فبعد أن كانت دعوة في سبيل الله والخدمات الاجتماعية صارت جماعة تسعي للسيطرة علي جميع مناصب الدولة لتحكم سيطرتها لتنفيذ مخططها في فرض السيطرة الكاملة وإقصاء جميع القوي الأخري حتي لو كانت من التوجه الديني كالدعوة السلفية علي سبيل المثال!.
إن السعي الدائم للسيطرة علي المناصب العليا يتعارض مع الزهد في المناصب الذي يحرص عليه كل الدعاة الحقيقيين! لقد كشفت الجماعة بسلوكها الحالي عن وجهها الحقيقي الذي عملت من أجله في الأحياء الشعبية والقري والنجوع بكل كد لمساعدة الفقراء والمحتاجين علي مدار الأعوام الماضية ! لقد ظهرت الصورة جلية الآن بعد وصول الجماعة إلي سدة الحكم ولم تعد في حاجة إلي دليل أنهم طلاب مناصب ودنيا وليسوا أهل دعوة ودين! ولكن الطامة الكبري أنهم بسيطرتهم علي المناصب وعدم تقبل الشعب تلك الفكرة أصبح الاستقرار حلم كل مصري ! فبعد أن كانت النهضة أمل المصريين بعد ثورة يناير أصبح الأمن والأمان وانتهاء الأزمات المتتالية حلم كل مصري !.
إن الإسلام يفرض علي الجماعة الآن أن تتنحي جانبا مادامت لا تستطيع أن تجمع القوي المصرية ! فوحدة الوطن والمجتمع الهدف الأعلي للدين الإسلامي وليس الحكم هو الهدف الأسمي في الإسلام!وبكفي أن حرمة دم المسلم أعظم عند الله من الكعبة نفسها!.
لقد حقن الحسن بن علي رضي الله عنه دماء المسلمين بعقد الصلح مع معاوية بن أبي سفيان لأنه كان يريد الخير للمسلمين أولا وقبل أي شيء ! ولا يريد الكرسي إذا جاء علي حساب المسلمين وأمنهم وأمانهم !.
ماذا لو اختفت الجماعة من الحياة المصرية الآن؟!
سؤال يفرض نفسه بقوة علي عقل كل مصري يري ما يحدث الآن في مصر!.
فمهما قالت الجماعة أنها تحكم بنتيجة الصندوق فلن يعفيها من المسئولية عما نراه الآن من تدهور الاقتصاد والأمن ! حتي لو ثبت أن هناك تهريب لمواد بترولية فليست مسئولية الناس بل مسئولية الحاكم والحكومة! حتي لو قالوا أن الفلول تحارب بكل قوة! حتي لو قالوا أن جبهة الإنقاذ تسعي لإسقاط الرئيس فلن يعفي ذلك الجماعة من المسئولية أمام الله والشعب فيما يعانيه الشعب من أزمات متكررة !.
إن الجماعة الآن أمام أكبر اختبار حقيقي بين الإدعاء بأنها تحمل الخير لكل مصر وبين سعيها الدؤوب للسيطرة علي كل المناصب حتي تتمكن من فرض رؤيتها الخاصة ومعتقدها الشخصي وتعليمات مرشدها الأول والحالي!
لو غابت الجماعة الآن عن المشهد السياسي وخاضت الانتخابات القادمة بكل قوة ماذا سيحدث؟!.
هل ستحتل إسرائيل مصر؟ أم تحتل أمريكا مصر وتنشيء قواعد عسكرية؟ هل سينتهي الإسلام من مصر باختفاء الجماعة من الحياة السياسية المصرية؟ هل سيرتد المسلمون عن الإسلام؟ هل سيضعف الإسلام؟
هل ستتحول مصر إلي بيت دعارة كبير؟ هل سيتم زواج المثليين؟ هل ستصبح مصر أكبر بلد يصدر الدعارة؟!
هل ستركع مصر للعالم المسيحي واليهودي ؟ هل ستسيطر الكنيسة علي مقدرات مصر والقرار؟!
هل تحافظ الجماعة علي الإسلام من الاندثار؟ هل وجود الإسلام في مصر مرهون بوجود جماعة الإخوان؟
هل تخشي الجماعة سيطرة السلفيين علي مقاليد الحكم؟ هل تخشي الجماعة من سيطرة الجماعة الإسلامية علي السلطة؟ أم تخشي الجماعة من سيطرة المسيحيين علي السلطة؟ أسئلة كثيرة تفرض نفسها علي الساحة!
ويبقي السؤال الأهم: هل الإسلام في حاجة حقيقية لجماعة الإخوان المسلمين؟ وهل مصر في حاجة ماسة للإخوان؟!.
إن الإسلام الذي ينتشر في العالم الغربي أكبر دليل أنه أكبر من جماعة الإخوان إن النهضة الحقيقية تحتاج لتضافر كل الفصائل والفرقاء والجهود والمصريين بلا استثناء ولا تحتاج فصيل واحد مهما كانت قوته وبالتحديد فهي لن تقف علي الإخوان المسلمين!.
هناك سؤال يخطر ببال كل المصريين : لماذا ترك معظم المشاهير الجماعة وفضلوا الابتعاد عنها وفي مقدمتهم الشيخ الشعراوي رحمه الله؟! .