الثقافة المحلية هي تراث للإنسانية

حوار: بدر محمد بدر (صحفي)

مريم عبدالحميد (دار الإعلام العربية)

في فبراير الماضي اختار أعضاء مجمع اللغة العربية الدكتور حسن الشافعي رئيسًا جديدًا خلفًا لرئيسه السابق الأستاذ محمود حافظ؛ ليكون أول رئيس أزهري منتخب للمجمع، ما يعد سابقة استثنائية في تاريخه؛ وسبق للشافعي تولي مناصب عدة منها عضوية المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بالقاهرة، وعضوية مركز الدراسات الإسلامية بجامعة القاهرة، عضوية المجلس العلمي لكلية الدراسات العليا بمانشستر إنجلترا، عضوية مجلس أمناء الجامعة الإسلامية بإسلام أباد، عميد كلية الشريعة بالجامعة الإسلامية بإسلام أباد عام 1983م، نائب رئيس الجامعة الإسلامية للشؤون الأكاديمية عام1985، ثم رئيس الجامعة الإسلامية، ورئيس المكتب الفني لشيخ الأزهر.. وللشافعي إنتاج علمي غزير.. وقد التقته «الوعي الإسلامي» وكان لنا هذا الحوار: muslim crestians_opt.jpg 

 ما طموحاتكم لتطوير مجمع اللغة العربية، بعد فوزكم برئاسته؟

- طموحاتي تكمن في إنجاز أعمال ثلاثة: المعجم الكبير, والمعجم التاريخي, وتكثيف الخدمات اللغوية الموجهة إلى الشبيبة العربية، أطفالًا وشبابًا؛ فإن الكهول قد تم تكوينهم, والشيوخ قد أدوا ما عليهم, والفئة الأولى هي صاحبة المستقبل, وهي المطلـوبة في الأوضاع الثقافية والتعليمية الراهنة؛ وينبغي تسريع إصدار المعجم المصور, وإتباعـه بمعجم الصورة والصـوت, وتشجيع تأليف الكتب «المقررة» في فروع العلـوم اللغوية (النحو والصـرف والبلاغة والأدب) حسـب المواصفات التي انتهت إليها لجـان المجمع، عندما درسـت «العربية في التعليم ودور المجامع».

< وصفتم العولمة في تصريح لكم بأنها جائرة، فما الذي دعاكم إلى ذلك؟ وما رؤيتكم لمفهومها؟

- العولمة بالمفهوم الموضوعي هي ثمرة من ثمرات التواصل وثورة المعلومات وثورة الاتصالات، فأصبح العالم كما يقال قرية واحدة، فالأمور التي تثور في منطقة من المناطق لا تعني أصحابها فقط؛ لسببين: الأول، أنها تنتقل فور حدوثها، فلا يمكن الآن التكتم على أحداث محلية، السبب الثاني، أنها تؤثر في الآخرين، فعلى سبيل المثال الأزمة المالية العالمية، بدأت في الولايات المتحدة وانتقلت إلى مختلف أقطار العالم، فالعولمة بمعنى وحدة الاهتمامات العالمية وتحول المشاكل فور وقوعها إلى قضايا تهم أطراف أخرى حول العالم؛ هذا مفهوم إيجابي وتقدمي ويعتبر طفرةً في الفكر البشري.

أما العولمة التي نصفها بأنها جائرة فهي ليست بهذا المعنى المنشود، لكن باعتبار المفهوم الغربي الذي يعني تغليب ثقافة معينة ولغة معينة ومصالح معينة في أنحاء العام، بحيث إن بعض اللغات المحلية تختفي، وبعض الثقافات تتأثر أو تضعف لحساب الثقافة الغربية، وبحيث إن شعبًا واحدًا هو الذي يتحكم في مصائر باقي شعوب العالم. هذا هو المفهوم الجائر للعولمة.

ولاشك في أنه على المستوى العلمي والأكاديمي هناك تشارك وتواصل بين مختلف الثقافات على مستوى العالم، لكن على مستوى الحرب والسلام وعلى المستويات العسكرية والإستراتيجية لها معنى آخر، هو تغليب مصالح الغرب وحلفائه على حساب الآخرين جميعًا؛ فأي ثقافة محلية في أي ركن من أركان العالم هي تراث للإنسانية ينبغي الحفاظ عليه وتنميته، وليس إضعافه. هذا هو الجانب الفاسد من العولمة الواقعية وليس العولمة المنشودة. _opt.jpeg

< وما أبرز ملامح خطتك للارتقاء بالمجمع؟

- الحقيقة يجب أن أبدأ بشكر السابقين؛ لأن المجمع يعمل بإخلاص طوال 120 عامًا وفق الإمكانات المتاحة له، وكانت مشكلته ضعف العلاقة بينه وبين المثقفين والجامعيين العرب والإعلام بوجه عام، لست أريد أن ألقي الكرة في ملعبكم؛ لأننا لا نملك الاتصال بالرأي العام، فقد كانت هناك نظرة جائرة إلى المجمع في فترة سابقة، وأعترف بأن المَجمع مقصر في عقد الصلة مع مجتمعنا الثقافي ومع الرأي العام والإعلام بوجه عام، لكن في هذه الأيام أصبح الإعلام جزءًا من المنظومة الثقافية، ويسهم بشكل أو بآخر في القضايا الثقافية واللغوية والحضارية بوجه عام، لذلك نحن نريد عقد الصلة بين المجمع والمثقف العربي؛ لإعادة إنتاج المجمع بشكل مختلف.. ونحن لدينا عشرون لجنة علمية؛ واحدة في الأدب وثانية في الشريعة والعلوم الشرعية، وثالثة في الفلسفة وعلم الاجتماع وسائر العلوم الإنسانية ثم العلوم البحتة كالرياضيات والاقتصاد القياسي وهو استخدام الرياضة في علم الاقتصاد، والغرض من هذه اللجان كلها إحياء التراث، فاللغة ليست وعاءً فحسب لكن وعاءً ومحتوًى، كلمةً ومعنىً، ولا يمكن فصل المعنى عن الكلمات، نحن نريد إحياء اللغة وتراثها القديم لخدمة اللغة المعاصرة. وكل يوم تُخلق مصطلحات جديدة لا يكاد يحصيها أي متخصص، فضلًا على مثقف عام، فهذه اللجان تتابع حركة العلم العالمية وتترجم المصطلحات الأجنبية شرقية أو غربية إلى اللغة العربية لكي يتعرب التعليم.

< وما دور المجمع في التصدي لظاهرة كتابة العربية بحروف إنجليزية؟

- فكرة قديمة عرضها أحد أعضاء المجمع وكان رجلا فاضلا، لكن لكل عالم هفوة ولكل جواد كبوة، فقد نادى بكتابة العربية بحروف أجنبية وشابهه طه حسين في بعض اقتراحاته، وأن اللغة العربية تكتب سماعية حسب السماع، لكن لا توجد لغة في العالم تكتب حسب النطق، فالكتابة تخضع لاعتبارات معينة وليس لمحاكاة ما ينطقه العامي في الشوارع، أميركا الآن تدرس في جامعاتها اللغة العامية والإنجليزية سماعية ويكتبون العربية كما تنطق، وهذه الطريقة تفسد اللغة وتقطع ما بين الدارس العربي وتراثه.

< يُعنَى المجمع بتحقيق كتب التراث.. فما الفائدة العلمية التي تعود على اللغة من ذلك؟

- الفائدة ضرورية وحيوية؛ لأن القرآن يفهم بالمعاني التي كانت زمن نزوله؛ لذلك المفسر والفقيه لابد أن يعرف الشعر الجاهلي، فهناك كلمات لا تفهم إلا في اللغة التراثية، واللغة العربية لغة محافظة ممتدة ليست كالإنجليزية واللاتينية التي ينشق عنها لغات أخرى وتحدث قطيعة بينها وبين التاريخ القديم للغة، ليست العربية كذلك إنما هي لغة واحدة وممتدة.

< قضية تعريب العلوم, وقضية تعليم الناشئة في مدارسنا للغة العربية, بعد مزاحمة اللغات الأجنبية لها، هل هناك اتجاه من مجمع اللغة لتعزيز تعلم العربية؟

- في الحقيقة سبق للمجمع في سنواته الثلاث الماضية أن درس ثلاث قضايا: اللغة العربية في التعليم, واللغة العربية في الإعلام, واللغة العربية ومنظمات المجتمع المدني، وما أشرت إليه من التعريب وغيره، فالواقع أن المقترحات والمشاكل التي نعاني منها قد دُرست في المؤتمرات الثلاثة, وخاصة التعليم الأجنبي الخالص, نحن لسنا ضد تعلم اللغات الأخرى, بل إن العربية في أعز أيامها وأقوى أوقاتها كانت وثيقة الصلة باللغات الأخرى، خصوصا في أيام الخليفة المأمون، ومن بعده منذ القرن الرابع الهجري، وكانت تُعد اللغة العلمية الأولى في العالم, إلى الحد الذي كان باباوات روما، إذا أرادوا أن يتصلوا بالفكر العالمي فإنهم يتعلمون العربية, وحتى الآن ما تزال إمضاءات بعض الباباوات على هوامش الكتب العربية القديمة مخطوطة وباقية.

فالعربية كما قلتُ كانت لغة العلم والثقافة والفكر في العالم، لكن الآن كما نعلم لا يقتصر الأمر على تعلم اللغات الأخرى واعتبارها نوافذ لتخصيب وإغناء العربية، وإنما هي احتلال للعقول العربية.

وأذكر شكوى قدمها أحد أعلام الفكر في مصر قبل الخمسينيات, واسمه الأستاذ محمد علي علوبة باشا, وكان رئيس لجنة فلسطين مرتين, هذا الرجل يقـول في مذكراته: «إنني فوجئت أن حفيدتي لا تعرف شيئًا عن اللغة العربية, وهي تحفظ أناشيد ترددها في طابور الصباح بلغات أخرى, وبعض هذه الأناشيد ذات طابع ديني غير إسلامي, ولا تعرف من سور القرآن الكريم شيئًا», ثم قال: «هذا ليس تعليمًا وإنما هو احتلال للعقلية العربية»، هذا الرجل ليس شيخًا ولا من الظلاميين أو الرجعيين؛ وإنما هو رجل مشهود له بالاستقلالية، وهو أحد زعماء الفكر والتنوير العرب.

< هل تطالبون بإلغاء هذه المدارس الأجنبية، التي تعلم الناشئة اللغات الأخرى، بينما تهمل اللغة الأم؟

- لا، نحن نحذر من هذه المدارس الأجنبية, ليس لإغلاقها وإنما لإعادة ما صنعته الدولة المصرية عام 1957م بعد العدوان الثلاثي عام 1956, عندما ألزمت المدارس الأجنبية أن تدرس اللغة العربية, وأن يكون هناك قسم خاص للغة العربية, وليس كما هو معلوم أن تكون حصة اللغة العربية ومادة الخط العربي هي الحصة الأخيرة في اليوم السابع؛ وأعتقد أن هذه القرارات لم تُنسخ, ولكنها ككثير من قراراتنا تُتجاهل, والقانون لا قيمة له ما لم يُنَفَّذ, فنحن نعتقد أننا يجب أن نؤكد على تعلم اللغات الأخرى لإغناء لغتنا وخدمتها, كما كان هو الحال أيام قوتها وعزها.

هذه العقيدة أو الخلفية هي التي ينطلق منها المجمع في موقفه من هذه المدارس, وينبه إلى خطرها على الوجدان القومي وعلى الشعور الديني وعلى اللسان العربي لدى هذه الطائفة الكبيرة من شبابنا وبناتنا الذين سيحكموننا في المستقبل؛ فلابد أن يحس الجميع بالأخطار الحقيقية التي تتهدد لغتهم ولسانهم وتراثهم؛ ليس هذا فحسب، وإنما وحدة النسيج الاجتماعي في مصر.

< الحوار من جانب الأزهر الشريف متوقف مع «الفاتيكان»، هل هناك محاولات لتقريب وجهات النظر, أم أن قرار الأزهر نهائي لا رجعة فيه؟

- وقف الحوار الرسمي كانت له أسبابه التي لم تتغير, وليس السبب فيها راجعًا إلى الأزهر، بل إلى الطرف الآخر, إلا أن الحوار مستمر على مستويات كثيرة غير قيادة الفاتيكان، مع كل الطوائف المسيحية في الداخل والخارج، وقد شاركت شخصيًا خلال العام الماضي في مؤتمرات بألمانيا وإيطاليا مع قوى وجمعيات كاثوليكية باسم الأزهر, وأوضحت الدواعي التي أدت إلى موقف الأزهر تعبيرًا عن مشاعر المسلمين، لما كان من مواقف الفاتيكان، ولا يمكن للأزهر أن ينعزل عن الحوار والحراك الدولي الذي يؤثر على مصائرنا ضمن الجماعة البشرية.

 

مجمع اللغة العربية في سطور

أسس مجمع اللغة العربية في القاهرة في 14 شعبان سنة 1351هـ الموافق 13 ديسمبر 1932م، وذلك في عهد الملك فؤاد، وبدأ العمل فيه سنة1934م.. وترأسه لأول مرة الأستاذ محمد توفيق رفعت، ثم الأستاذ أحمد لطفي السيد، ثم الأستاذ الدكتور طه حسين، ثم الأستاذ الدكتور إبراهيم مدكور، ثم الأستاذ الدكتور شوقي ضيف، ثم الأستاذ الدكتور محمود حافظ، ثم تولى الدكتور حسن عبداللطيف الشافعي رئاسة المجمع في فبراير 2012؛ ليصبح أول أزهري يعتلي ذلك المنصب.

وقد نص مرسوم إنشاء مجمع اللغة العربية الذي أصدره الملك فؤاد الأول عام 1932م على أن يتكون المجمع من 20 عضوًا من العلماء المعروفين بتبحرهم في اللغة العربية، نصفهم من المصريين، ونصفهم الآخر من العرب والمستشرقين؛ وهو ما يعني أن المجمع عالمي التكوين، لا يتقيد بجنسية معينة ولا بدين معين، وأن معيار الاختيار هو القدرة والكفاءة، عشرةً من المصريين، وعشرةً من العرب والمستعربين. ويقع مقر المجمع في 15 شارع عزيز أباظة بالزمالك.

وحددت أهدافه في المادة الثانية ببذل الجهود للحفاظ على اللغة العربية وجعلها وافية بحاجات العلوم والفنون وشؤون الحياة في العصر الحاضر، والعناية بدراسة اللهجات العربية الحديثة في مصر وغيرها من أقطار العرب وبلدانهم، واتخاذ كل الأسباب لتقدم العربية.

وقد ورد في المادة الرابعة من المرسوم أن المجمع يتكون من عشرين عضوًا عاملًا من بين العلماء المعروفين بتعمقهم في اللغة العربية أو ببحوثهم في فقهها ولهجاتها دون تقيد بالجنسية كما صنعت الأكاديمية الفرنسية، وكما صنعت المجامع العربية السالفة إذ قصرت العضوية العاملة على أبناء أوطانها.

ولقد كانت أسماء الأعضاء العشرين الذين بحثوا آنذاك هي: محمد توفيق رفعت، ود. منصور فهمي، والشيخ حسين والي والشيخ إبراهيم حمروش والشيخ محمد الخضر حسين والشيخ أحمد الإسكندري وعلي الجارم وأحمد العوامري ود.فارس نمر وحاييم ناحوم، والمستشرق الإنجليزي جب والألماني د.فيشر، ونلينو الإيطالي، وماسينيون الفرنسي، وفنسنك الهولندي، ومحمد كرد علي والشيخ عبدالقادر المغزي، والأب أنستاس ماري الكرملي، وعيسى إسكندر المعلوف، وحسن عبدالوهاب.

وقد أصدر المجمع العديد من البحوث والمحاضرات والمذكرات والقرارات في تبسيط قواعد التصريف والاشتقاق وأحكام مقاييس التعريب والنحت والتوليد.

كذلك أصدر المعجم الكبير، والمعجم الوسيط، والمعجم الوجيز، ووضع معاجم علمية متنوعة للجيولوجيا وللفيزياء النووية والإلكترونيات، وللجغرافيا، والفلسفة، ووضع معجم لألفاظ الحضارة ومصطلحات الفنون.

وشارك المجمع في إحياء بعض ذخائر التراث اللغوية ليتخذ منها عونا على مهمته من وضع المعاجم الكبرى والصغرى، وقد نصت المادة الثالثة من مرسوم إنشائه على أن: «ينشر على الطريقة العلمية من النصوص القديمة ما يراه لازما لأعمال المعجم ودراسات فقه اللغة». وهو ما جعله يعنى في سنة 1957 بتكوين لجنة لإحياء التراث القديم بالتعاون مع المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية في وزارة الثقافة.

وأخذت اللجنة تعد العدة لتحقيقها مرتبة أولويتها على هذا النمط:

1- «عجالة المبتدي وفضالة المنتهي» للحازمي.

2- «التكملة والذيل والصلة» للصغاني.

3- «ديوان الأدب» للفارابي.

4- «كتاب الجيم» لأبي عمرو الشيباني.

5- «كتاب الأفعال» للسرقسطي.

6- «كتاب فيما تفرد به بعض أئمة اللغة» للصغاني.

7- «كتاب الإبدال» لابن السكيت.

8- «التنبيه والإيضاح» المشهور باسم حواشي ابن بري على معجم الصحاح للجوهري.

9- «غريب الحديث» للقاسم بن سلام.

المصدر: http://www.alwaei.com/site/index.php/564/dialoges/

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك