لكن.. حاور وستنجح

سحر الرملاوي

أصعب حوار يمكن ان تجريه مع أحدهم هو ذاك الحوار الذي يمس ثوابته وقناعاته الثانوية اياً كانت تلك الثوابت ومهما كانت تلك القناعات، حتى لو كنت ستحاوره حول نوعية رديئة لجبن اعتاد ان يأكله فلن يقبل منك ان تخبره ان هذا الجبن سيئ..

ومن هنا تنشأ الخلافات والتناطح والتنابذ والقتل احيانا..

نسمع كثيرًا من الآراء خصوصاً في هذا الزمن الذي اصبحت الآراء تباع فيه على الارصفة وصار بوسعك ان تمد يدك داخل ثلاجتك فتخرج بشطيرة وكم رأي على الماشي..!

لذا فان التعنت والاصرار على رأي اصبح امراً مستهجناً ولا تفسير له الا الجمود ومجافاة عصر مازلت تتنفس فيه ومن حقك انت قبل غيرك ان تعرف وان تزيل قليلاً من جمودك وتسمح للجديد ان يعبر قناعاتك فربما استحسنت واقتنعت بما هو عكس ما كنت تعتقد..

وما الضير؟

كل شيء قابل للنقاش بشرط ان يكون نقاشاً موضوعياً يقوم على العلم والفهم والمرونة، وما هو ثابت راسخ جذري كالدين العظيم فلن يهزه نقاش ولن يغيره حوار..

ما الذي يخيفنا من محاورة المخالف لنا، اذا كنت مقتنعاً بشيء ما فلماذا تصر على وضعه داخل صندوق قناعاتك وترفض بشكل قاطع ان تفتحه ليطلع عليه الآخرون..

الحوار منذ بدء الخليقة وحتى قبل ان تبدأ كان موجوداً ولم يقف امامه حاجز من تسليم سائل وعظمة مسؤول، ألم تسأل الملائكة الخالق عن خلق آدم وتستنكره؟

وبعد ذلك ألم يطلعنا الخالق على حواره في علاه مع ابليس الرجيم.. وما كان من استكبار اللعين وهو يتحاور مع الخالق عز وجل..

تتبعوا الحوار الوارد في كتاب الله ستجدونه في كل سورة تقريباً، وفي كل شيء تقريباً..

سيدنا ابراهيم عليه السلام اراد ان يعرف كيف يحيي الله الموتى وقال ليطمئن قلبي.. فلم يزجره الرحمن بل علمه بشكل عملي كيف يفعل هذا سبحانه..

وحين امر الله عز وجل كليمه موسى عليه السلام ان يذهب لفرعون طلب منه ان يؤازره بهارون عليه السلام..

والامثلة كثيرة جداً يقصر عنها مقال معدود الكلمات لكن الحوار والنقاش والأخذ والرد والرفض والقبول والتشكيك واليقين في القرآن الكريم كثيرة جداً ومعبرة جدًا، ومن بعد الكتاب تأتي السنة المشرفة ومعظمها تقوم على حوارات ونقاشات واسئلة وترديد ورفض وقبول وتدل بشكل قاطع على ان الأخذ بلا سؤال والاقتناع بلا فهم لم يكن ديدن الصحابة رضوان الله عليهم اجمعين..

فمن اين اصبح الحوار جريمة والسؤال تنطع وتزيد و"فلسفة" ينبغي اسكات من يحاول ان يجريه في اي شأن..

انا اعرف ان الحوار قد يكون صعباً على من لا يملك بياناً وهذه جبلة يصعب تعديلها ولكن لمن يملكون البيان لماذا يلعبون ذات اللعبة التي لعبت عليهم فيخرسون كل سائل ويخوفون كل مستفسر ويستصغرون كل محاور..

صدقوني ان لم تفعلوا انتم سيفعل غيركم ممن لا تعلمون نياتهم ولا تستوعبون اهدافهم وسيجدون من يسمع لهم ويقتنع بهم وينقلب بآرائهم عليكم ففي هذا الزمن المفتوح ليس يجدي ان تغلق موقعاً او تسد ثغرة او تقفل بابا..

انظر حولك.. كم باب مفتوح وكم ثقب ينز وكم فم يقول.. حاول ان تسد كل هذا..

والله لن تنجح..

المصدر: http://www.amnfkri.com/news.php?action=show&id=23102

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك