المثقف الإرهابي!
الثقافة هي انتاج وإعادة انتاج الافكار والفلسفات المادية والروحية في الحياة.. وانعكاس يتجدد في الفكر والمعرفة.. لحركة الطبيعة والفكر والمجتمع. والثقافة كظاهرة تاريخية يتألق تطورها في نتاج النظم الاقتصادية والاجتماعية.. وهي بشكل عام نتاج أنشطة الجماهير.. وبشكل محدد الجماهير المثقفة..
وقد تباينت واتسعت واختلفت وجهات النظر الفلسفية تجاه تحديد مفهوم الثقافة.. والثقافة في المجتمعات الطبقية تتصف بطابع يحمل ذات مدلول أيدلوجي طبقي.. وهو ما يأخذ انقسامه في العلاقات الاجتماعية وفي تعدد وجهات النظر الفكرية والايدلوجية بين المواطنين في المجتمع.. ضمن ايقاع ثقافتين متعارضتين.. ثقافة حاكمة.. وثقافة محكومة.. تتناهبها عناصر ثقافية متباينة في حركة التاريخ والجغرافيا.. واذا كانت الثقافة تتحدد في الاساس بالظروف المادية.. فانها تتميز باستقلال نسبي في استمرار تطورها.. وتراها ابداً تتجدد وتتأثر بثقافات الشعوب الاخرى.. متجاوزة حصريتها.. الى ابعاد انسانية.. وفي تبادل القيم الروحية بين الامم وفي التقدم الثقافي للبشرية..
واذا كانت الثقافة هي انتاج واعادة انتاج الافكار.. فمن الطبيعي ان يكون المثقف.. أداة هذا الانتاج الثقافي والفكري..
وقد درج الكثيرون من المفكرين والفلاسفة ان يصنعوا الثقافة في اطارها الانساني والأممي، وما يخرج عن هذا الاطار.. يفقد شرف انسانيته الثقافية.. وهو ما يندرج على ذات المثقف (....) اذ كيف لـ«ثقافة» فاشية ظلامية.. و«مثقف» فاشي ظلامي - وانا أؤكد على الاقواس المزدوجة - ان يستقيم بفاشيته وعنصريته في انتاج ثقافي يمكن ان يكون وطنياً وانسانياً وأممياً.. واذا كانت هناك ثقافة ملتبسة.. فان هناك مثقفاً ملتبساً ايضاً.. وهما في حلٍ من حقيقة الثقافة الوطنية والانسانية والاممية..
الثقافة تغييرية للحياة والمجتمع.. والمثقف تغييري في انتاج واعادة انتاج الافكار الثقافية.. إن فقدان هاتين الصفتين للثقافة والمثقف.. تفقد الثقافة والمثقف حقيقة صفتيهما الثقافية والانسانية.
أن يكون المثقف حاملاً شرف وضمير الثقافة الانسانية والأممية.. عليه ان يتحلى قولاً وعملاً بشرف وضمير الثقافة الانسانية.. تقول كيف؟! من يحدد هذه الاستنارة الثقافية.. او هذه الظلامية.. لأن نسبية الاشياء تفقد الموقف بوصلته (...) إلا اني أرى الثقافة الحقيقية. ابداً مستنيرة متوثبة الاضاءة.. متجددة الايقاع نحو غد الانسانية التقدمية.. والمسألة ترتبط برؤيا الضمير.. في استنارته وظلاميته.. فرؤيا الظلامية تؤدي الى ثقافة ظلامية.. ورؤيا الاستنارة تؤدي الى ثقافة مستنيرة.
إن ثقافة الظلام والظلاميين. ثقافة تفرغ الثقافة من حقيقة حريتها وانسانيتها.. وتقيدها بقيود ضاربة في تراث التخلف والظلام. فالثقافة من حيث انها قيمة حضارية وانسانية.. اذا تكلست وتجمدت على شطآن أطلالها.. ولم تصطلِ متعرية في وهج نور الحياة والتجدد.. يذهب ريحها في عتم ظلام الظلاميين.. وكما لا تستقيم الحياة والموت.. لا يستقيم النور والظلام.. بالرغم من أزلية الموت والحياة.. والنور والظلام. وكما تتشكل لعنة الحرية.. تتشكل لعنة الثقافة.. وتصب لعنة الثقافة.. كما لعنة الحرية.. في معادلة نسبية جدل انقسام وتوحد صراع الاضداد.. في مسار متراكم الكم والنوع الثقافي في الحياة.
وعي الظلام في وعي النور.. وفي الثقافة.. كما في ذات وعي المثقف.. تتبدى الاشكالية لدى الكثيرين من المثقفين العرب.. الذين يبحثون عن خراجهم الفكري.. في متن ظلام الماضي.. كنت آراه ذلك المثقف (...) المسكون بوعي ارهاب «السلندر» وحركة الاحرار الاسلامية يتجافل الى الخلف.. وانا اطلب منه التوقيع على البيان الاممي للبراليين العرب.. وهو يقول: الليبرالية فضفاضة.. فهناك ليبرالية متوحشة (....) قلت بارك الله فيك.. البيان حددها بالليبرالية المسالمة (....) ولكنه كشّر عن ابتسامة صفراء.. ومضى وهو يطري في وعيه الارهابي التونسي الشيخ راشد الغنوشي..
ورحت أتساءل.. كيف يمكن ان يحمل شرف وضمير الثقافة هذا «المثقف» الذي التبس في وعي ظلامية باطنية وعيه.. وكشر بكراهية طائفية.. مترعة بتمظهر كشكولي حداثي زائف.. وهو يغمز من قناة الليبراليين دعاة ملاحقة شيوخ ارهاب الفتاوى.. ومحاكمتهم على جرائم فتاواهم الارهابية..
كيف يمكن ان يحمل شرف وضمير وعي ثقافة التسامح والتراحم الانسانيين لديننا الاسلامي الحنيف.. أولئك القوم الذين راحوا يفتون في جهادية الذبح والقتل والخطف وقطع الرؤوس في الفلوجة..
وكيف يمكن ان يحملوا شرف وضمير الثقافة أولئك المتنطعون في الفضائيات والملاحق الثقافية في الدفاع عن ثقافة الموت لعتاولة فتاوى الارهاب في الساحة الثقافية.. وتلميع مفاتيح الجنة في عيون المهووسين من صبية الارهاب الذين فقدوا أمل الحياة.. وراحوا يبحثون عن أمل الموت في غيب نعيم الآخرة..
إن المتغيرات الثقافية المذهلة على الصعيد العالمي.. وفي التجاذب بين ثقافات الامم.. جددت تقسيم الثقافة العربية الى ثقافتين متناقضتين متحاربتين ثقافة حفر قبور الماضي.. وثقافة الحياة في التغيير والتجديد والتناسج مع ثقافة الامم والشعوب الاخرى.. كما وضعت المثقف العربي.. يعيش ازدواجية نفسية ومهنية صارختين. لا تدعه يستطيع تحديد موقف ثابت تجاه حقيقة التغيير الثقافي.. والذي بدونه لا يمكن الخروج من لعنة تابو تخلفنا الثقافي والفكري..