المثقف الإرهابي!

إسحاق الشيخ يعقوب

الثقافة هي‮ ‬انتاج وإعادة انتاج الافكار والفلسفات المادية والروحية في‮ ‬الحياة‮.. ‬وانعكاس‮ ‬يتجدد في‮ ‬الفكر والمعرفة‮.. ‬لحركة الطبيعة والفكر والمجتمع‮.‬ والثقافة كظاهرة تاريخية‮ ‬يتألق تطورها في‮ ‬نتاج النظم الاقتصادية والاجتماعية‮.. ‬وهي‮ ‬بشكل عام نتاج أنشطة الجماهير‮.. ‬وبشكل محدد الجماهير المثقفة‮..‬

وقد تباينت واتسعت واختلفت وجهات النظر الفلسفية تجاه تحديد مفهوم الثقافة‮.. ‬والثقافة في‮ ‬المجتمعات الطبقية تتصف بطابع‮ ‬يحمل ذات مدلول أيدلوجي‮ ‬طبقي‮.. ‬وهو ما‮ ‬يأخذ انقسامه في‮ ‬العلاقات الاجتماعية وفي‮ ‬تعدد وجهات النظر الفكرية والايدلوجية بين المواطنين في‮ ‬المجتمع‮.. ‬ضمن ايقاع ثقافتين متعارضتين‮.. ‬ثقافة حاكمة‮.. ‬وثقافة محكومة‮.. ‬تتناهبها عناصر ثقافية متباينة في‮ ‬حركة التاريخ والجغرافيا‮.. ‬واذا كانت الثقافة تتحدد في‮ ‬الاساس بالظروف المادية‮.. ‬فانها تتميز باستقلال نسبي‮ ‬في‮ ‬استمرار تطورها.. ‬وتراها ابداً‮ ‬تتجدد وتتأثر بثقافات الشعوب الاخرى‮.. ‬متجاوزة حصريتها‮.. ‬الى ابعاد انسانية‮.. ‬وفي‮ ‬تبادل القيم الروحية بين الامم وفي‮ ‬التقدم الثقافي‮ ‬للبشرية‮..‬

واذا كانت الثقافة هي‮ ‬انتاج واعادة انتاج الافكار‮.. ‬فمن الطبيعي‮ ‬ان‮ ‬يكون المثقف‮.. ‬أداة هذا الانتاج الثقافي‮ ‬والفكري‮..‬

وقد درج الكثيرون من المفكرين والفلاسفة ان‮ ‬يصنعوا الثقافة في‮ ‬اطارها الانساني‮ ‬والأممي،‮ ‬وما‮ ‬يخرج عن هذا الاطار‮.. ‬يفقد شرف انسانيته الثقافية‮.. ‬وهو ما‮ ‬يندرج على ذات المثقف‮ (....) ‬اذ كيف‮ لـ«ثقافة‮» ‬فاشية ظلامية‮.. ‬و«مثقف‮» ‬فاشي‮ ‬ظلامي‮ - ‬وانا أؤكد على الاقواس المزدوجة‮ - ‬ان‮ ‬يستقيم بفاشيته وعنصريته في‮ ‬انتاج ثقافي‮ ‬يمكن ان‮ ‬يكون وطنياً‮ ‬وانسانياً‮ ‬وأممياً‮.. ‬واذا كانت هناك ثقافة ملتبسة‮.. ‬فان هناك مثقفاً‮ ‬ملتبساً‮ ‬ايضاً‮.. ‬وهما في‮ ‬حلٍ‮ ‬من حقيقة الثقافة الوطنية والانسانية والاممية‮..‬

‬الثقافة تغييرية للحياة والمجتمع‮.. ‬والمثقف تغييري‮ ‬في‮ ‬انتاج واعادة انتاج الافكار الثقافية‮.. ‬إن فقدان هاتين الصفتين للثقافة والمثقف‮.. ‬تفقد الثقافة والمثقف حقيقة صفتيهما الثقافية والانسانية‮.‬

أن‮ ‬يكون المثقف حاملاً‮ ‬شرف وضمير الثقافة الانسانية والأممية‮.. ‬عليه ان‮ ‬يتحلى قولاً‮ ‬وعملاً‮ ‬بشرف وضمير الثقافة الانسانية.. تقول كيف؟‮! ‬من‮ ‬يحدد هذه الاستنارة الثقافية‮.. ‬او هذه الظلامية‮.. ‬لأن نسبية الاشياء تفقد الموقف بوصلته‮ (...) ‬إلا اني‮ ‬أرى الثقافة الحقيقية‮. ‬ابداً‮ ‬مستنيرة متوثبة الاضاءة‮.. ‬متجددة الايقاع نحو‮ ‬غد الانسانية التقدمية‮.. ‬والمسألة ترتبط برؤيا الضمير‮.. ‬في‮ ‬استنارته وظلاميته‮.. ‬فرؤيا الظلامية تؤدي‮ ‬الى ثقافة ظلامية‮.. ‬ورؤيا الاستنارة تؤدي‮ ‬الى ثقافة مستنيرة‮.‬

إن ثقافة الظلام والظلاميين‮. ‬ثقافة تفرغ‮ ‬الثقافة من حقيقة حريتها وانسانيتها‮.. ‬وتقيدها بقيود ضاربة في‮ ‬تراث التخلف والظلام‮. فالثقافة من حيث انها قيمة حضارية وانسانية‮.. ‬اذا تكلست وتجمدت على شطآن أطلالها‮.. ‬ولم تصطلِ‮ ‬متعرية في‮ ‬وهج نور الحياة والتجدد‮.. ‬يذهب ريحها في‮ ‬عتم ظلام الظلاميين‮..‬ وكما لا تستقيم الحياة والموت‮.. ‬لا‮ ‬يستقيم النور والظلام‮.. ‬بالرغم من أزلية الموت والحياة‮.. ‬والنور والظلام‮. وكما تتشكل لعنة الحرية‮.. ‬تتشكل لعنة الثقافة‮.. ‬وتصب لعنة الثقافة‮.. ‬كما لعنة الحرية‮.. ‬في‮ ‬معادلة نسبية جدل انقسام وتوحد صراع الاضداد‮.. ‬في‮ ‬مسار متراكم الكم والنوع الثقافي‮ ‬في‮ ‬الحياة‮.‬

وعي‮ ‬الظلام في‮ ‬وعي‮ ‬النور‮.. ‬وفي‮ ‬الثقافة‮.. ‬كما في‮ ‬ذات وعي‮ ‬المثقف‮.. ‬تتبدى الاشكالية لدى الكثيرين من المثقفين العرب‮.. ‬الذين‮ ‬يبحثون عن خراجهم الفكري‮.. ‬في‮ ‬متن ظلام الماضي‮.. ‬كنت آراه ذلك المثقف‮ (...) ‬المسكون بوعي‮ ‬ارهاب‮ «‬السلندر‮» ‬وحركة الاحرار الاسلامية‮ ‬يتجافل الى الخلف‮.. ‬وانا اطلب منه التوقيع على البيان الاممي‮ ‬للبراليين العرب‮.. ‬وهو‮ ‬يقول‮: ‬الليبرالية فضفاضة.. ‬فهناك ليبرالية متوحشة‮ (....) ‬قلت بارك الله فيك‮.. ‬البيان حددها بالليبرالية المسالمة‮ (....) ‬ولكنه كشّر عن ابتسامة صفراء‮.. ‬ومضى وهو‮ ‬يطري‮ ‬في‮ ‬وعيه الارهابي‮ ‬التونسي‮ ‬الشيخ راشد الغنوشي‮..‬

ورحت‮ ‬أتساءل‮.. ‬كيف‮ ‬يمكن ان‮ ‬يحمل شرف وضمير الثقافة هذا‮ «‬المثقف‮» ‬الذي‮ ‬التبس في‮ ‬وعي‮ ‬ظلامية باطنية وعيه‮.. ‬وكشر بكراهية طائفية‮.. ‬مترعة بتمظهر كشكولي‮ ‬حداثي‮ ‬زائف‮.. ‬وهو‮ ‬يغمز من قناة الليبراليين دعاة ملاحقة شيوخ ارهاب الفتاوى‮.. ‬ومحاكمتهم على جرائم فتاواهم الارهابية‮..‬

كيف‮ ‬يمكن ان‮ ‬يحمل شرف وضمير وعي‮ ‬ثقافة التسامح والتراحم الانسانيين لديننا الاسلامي‮ ‬الحنيف‮.. ‬أولئك القوم الذين راحوا‮ ‬يفتون في‮ ‬جهادية الذبح والقتل والخطف وقطع الرؤوس في‮ ‬الفلوجة‮..‬

وكيف‮ ‬يمكن ان‮ ‬يحملوا شرف وضمير الثقافة أولئك المتنطعون في‮ ‬الفضائيات والملاحق الثقافية في‮ ‬الدفاع عن ثقافة الموت‮ ‬لعتاولة فتاوى الارهاب في‮ ‬الساحة الثقافية‮.. ‬وتلميع مفاتيح الجنة في‮ ‬عيون المهووسين من صبية الارهاب الذين فقدوا أمل الحياة.. ‬وراحوا‮ ‬يبحثون عن أمل الموت في‮ ‬غيب نعيم الآخرة‮..‬

إن المتغيرات الثقافية المذهلة على الصعيد العالمي‮.. ‬وفي‮ ‬التجاذب بين ثقافات الامم‮.. ‬جددت تقسيم الثقافة العربية الى ثقافتين متناقضتين متحاربتين ثقافة حفر قبور الماضي‮.. ‬وثقافة الحياة في‮ ‬التغيير والتجديد والتناسج مع ثقافة الامم والشعوب الاخرى.. ‬كما وضعت المثقف العربي‮.. ‬يعيش ازدواجية نفسية ومهنية صارختين‮. ‬لا تدعه‮ ‬يستطيع تحديد موقف ثابت تجاه حقيقة التغيير الثقافي‮.. ‬والذي‮ ‬بدونه لا‮ ‬يمكن الخروج من لعنة تابو تخلفنا الثقافي‮ ‬والفكري‮..‬

المصدر: http://www.okhdood.com/?act=artc&id=9068

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك