الاختلاف عندما يقود إلى التمرد
أضافه الحوار اليوم في
الكاتب : أيهم يوسف
من المعروف أن أي تصنيف فكري أو مذهبي هو نابع من طبيعة الواقع الذي تبلور عبر مئات السنين. ويمكن أن نأخذ أوروبا كمثال على هذه التصنيفات التي تطورت عبر مراحل تاريخية مختلفة وصولاً إلى المرحلة الحالية، ففي فترات سابقة كان الفكر المسيحي سائداً في هذه القارة العجوز، وهذا الفكر كان، بدوره، منقسماً إلى عدة تيارات لا مجال للخوض فيها هنا. لكن أبرز سمات تلك المرحلة هو وجود ما سمي بـ (محاكم التفتيش) التي كانت تحكم على البشر بالموت لمجرد التشكيك في معتقده الديني.
أوروبا خاضت حروباً طويلة، وشهدت ثورات دامية إلى أن اتفق مفكروها وساستها على الفصل بين الدين والدولة، وظهرت التيارات الليبرالية والعلمانية التي تُعلي من قيمة المواطنة قبل أي اعتبار آخر. وشهدت القارة كذلك ازدهار الفكر الماركسي الشيوعي، كما ظهرت قبله حركات سياسية متعصبة كالنازية والفاشية، إلى أن رست أوروبا على شاطئ التطور والحداثة التي قد نختلف بشأنها، لكن علينا أن نقرّ بدورها في تطوير المجتمعات الأوروبية.
العالم العربي شهد، بدوره، مخاضات ومحطات ومنعطفات كثيرة، ومر بمراحل مختلفة. لكن اللافت في العقود الأخيرة التي نعيشها، هو أن مسألة الاختلاف والتعدد الفكري والمذهبي بات أمراً لا تستسيغه العقول، وكأن الاختلاف في الرأي هو نوع من التمرد أو العصيان. والأمر ليس على هذا النحو بالمطلق، فالبشر يختلفون في ميولهم ورغباتهم وتطلعاتهم، مثلما يختلفون في طوائفهم ومذاهبهم وأفكارهم، وعليه فإن المنطق البسيط يستدعي احترام هذا التنوع لا محاربته كما نرى حالياً في أكثر من بلد عربي، إذ إن التصنيف لا يتم بصورة بريئة بل هو مدخل للاتهام، لينتهي هذا التصنيف إلى تخوين الآخر وإلغائه واستبعاده، وهنا يقع المحظور.
وإذا ما ألقينا نظرة سريعة على تفاصيل الواقع العربي الراهن، سنجد، مثلاً، أن السلفيين الذين ترفعوا عن السياسة لعقود طويلة، انهمكوا، مؤخراً، في ألاعيب ووحول السياسة، واستخدموا كل أسلحة الدين من أجل الظفر بالسلطة، ففي مصر، بصورة خاصة، نجد هؤلاء السلفيين وقد تحولوا إلى تيار سياسي فاعل يريد الاستحواذ على السلطة وقيادة البلاد، وثمة أجنحة ضمن هذا التيار تميل إلى العنف، وفي تونس ظهرت، كذلك، تيارات سلفية تحارب سلطة الدولة، ولا تمتثل للقوانين والتشريعات.
وفي سوريا، كذلك، نجد أن الشيعة من لبنان وإيران يحاولون الاستفادة من الأوضاع السياسية القائمة، ويسعون إلى التمدد في المنطقة بشتى السبل من أجل ملء الفراغ وفرض أجندات وتصورات ذات طابع طائفي بحت، ويتكرر الأمر في مناطق عربية أخرى.
وهنا نصل إلى نتيجة مفادها أن التصنيف الفكري والمذهبي لا يشكل، بحد ذاته، خطراً، وإنما الخطر ينبع من تداعيات مثل هذه التصنيفات، خصوصاً وأن الإعلام يساهم في تأجيج مثل هذه الخلافات المذهبية والطائفية والفكرية، فلا يبقى الأمر، والحال كذلك، في إطار التصنيف النظري البسيط، بل يتعداه إلى محاولة خلق وقائع جديدة على الأرض.
ويبدو أن إغراءات السياسة تجذب الجميع من مختلف المذاهب والمرجعيات، وإذا ما تم الخلط بين تلك التصنيفات وبين الطموحات السياسية، عندئذ تحدث الكوارث، ولعل هذا ما نراه حالياً في بعض المناطق العربية، وعليه ينبغي التذكير، مراراً وتكراراً، بأن التعدد والتنوع أمر بديهي، لكن على جميع المختلفين التحلي بثقافة التسامح والتعايش، ففي هذه الثقافة خلاص لكل التيارات والمذاهب والتوجهات الفلسفية والأيديولوجية.
الحوار الخارجي: