صراع الحضارات أم حوار الثقافات؟

صراع الحضارات أم حوار الثقافات؟

ستيفن تشان
أن الرئيس ريغان كان أول من تحدث عن إمبراطورية الشر في أوائل الثمانينات من القرن الماضي. وكان يقصد بذلك الاتحاد السوفييتي والشيوعية. ثم تلاه جورج بوش الابن واستخدم مصطلح محور الشر لكي يطبقه على الحركات الراديكالية في العالم الإسلامي. وهي الحركات التي أدت بشكل مباشر أو غير مباشر إلى ضربة (11) سبتمبر. كما طبقه على العراق وإيران وكوريا الشمالية.

فالغرب بعد أن انتهى من الشيوعية وانتصر في الحرب الباردة أصبح بحاجة إلى عدو جديد هو: الأصولية الإسلامية. وقد نظر صموئيل هنتنغتون لصدام الحضارات قبل حصول ضربة (11) سبتمبر بزمن طويل.

ثم جاءت هذه الضربة لكي تؤكدها أو تبرهن عليها على ما يبدو. فمقالة هنتنغتون عن صدام الحضارات صدرت عام 1993، وبعد ذلك بسنتين أو ثلاث سنوات صدر الكتاب الذي يعتبر توسيعاً للمقالة، ومعلوم ان هنتنغتون قسم العالم إلى ثماني حضارات هي: الحضارة الغربية (أي الأوروبية ـ الأميركية»، والحضارة السلافية ـ الارثوذكسية (أي روسيا وصربيا واليونان)، والحضارة الإسلامية، والحضارة الصينية الكونفوشيوسية، والحضارة الافريقية السوداء، وحضارة أميركا اللاتينية، والحضارة الهندوسية، والحضارة البوذية.

وقال ان الحرب سوف تنشب بين هذه الحضارات المختلفة، ولكنها ستكون أكثر ضراوة بين الحضارة الإسلامية من جهة، والحضارة الغربية من جهة أخرى. وربما اشتعلت الحرب أيضاً بين الحضارة الصينية والحضارة الغربية، لأن الصين هي المنافس المقبل للغرب. ولا يستبعد المؤلف حصول تحالف بين الحضارتين الإسلامية والصينية ـ الكونفوشيوسية، من أجل مواجهة الهيمنة الغربية.

ولكن نظرية هنتنغتون عن صدام الحضارات أثارت انتقادات عنيفة من جهات عدة، فالمفكر المشهور ادوارد سعيد انتقدها واتهم صاحبها باليمينية والرجعية، وقال بأنه لا يرى أوجه التطور والتقدم في العالم العربي والإسلامي، وإنما يرى فقط أوجه التعصب والتزمت وكره الحضارة الغربية.

وأما المثقفون الإيرانيون التقدميون فقد اتهموا هنتنغتون بالخروج على مباديء الحضارة الغربية نفسها، فقد خان المبدأ الأساسي لفلسفة التنوير: ألا وهو كونية الحضارة والحداثة أو حقوق الإنسان، والديمقراطية.

ومعلوم ان فلاسفة التنوير قالوا ان هذه القيم كونية وسوف تنطبق يوماً ما على جميع شعوب الأرض وليس فقط على البلدان التقدمية في أوروبا وأميركا، ولكن صموئيل هنتنغتون لا يثق بحضارته إلى الحد الكافي ولا يعتقد بأنها كونية، وقادرة على تعميم نفسها خارج نطاق الغرب.

وهذا هو موقف اليمينيين والمحافظين عادة، بل انه موقف عنصري أيضاً لأنه يفترض ضمناً ان الشعوب الأخرى غير قادرة على استيعاب القيم الحديثة: كالمنهجية العلمية، ومفهوم حقوق الإنسان، واللعبة الديمقراطية.

وبالتالي فنظرية هنتنغتون سوداء متشائمة بمستقبل الإنسان والبشرية وهي قائمة على الصراع فقط وتنفي إمكانية الحوار. يضاف إلى ذلك إنها تعتقد بأن عالم الإسلام يشكل كتلة واحدة، وكذلك عالم الغرب، 15أو عالم افريقيا السوداء، أو أميركا اللاتينية... الخ.

ولكننا نعلم ان كل هذه العوالم مخترقة من تيارات عديدة متناقضة، فعالم الإسلام ينقسم إلى مجددين ومحافظين، إلى علمانيين وأصوليين، إلى ليبراليين ومتشددين.. وقل الأمر ذاته عن عالم الغرب الأوروبي ـ الأميركي، فهناك التيار اليميني والتيار اليساري، هناك دعاة العولمة، الليبرالية الجديدة أي الرأسمالية،

وهناك القوى الناهضة لهذه العولمة والتي تدعو إلى عولمة أخرى أكثر عدلاً وإنسانية. وبالتالي فلا نستطيع أن نضع الجميع في سلة واحدة. فأسامة بن لادن ليس الشيخ يوسف القرضاوي .

ولكن القوى المتعصبة في الغرب تريد أن ترمي جميع المسلمين في سلة واحدة وتقول: انهم متعصبون كلهم ولا يوجد فرق بين متطرف ومعتدل وهذا خطأ جسيم لا ينبغي أن نقع فيه. ولحسن الحظ فإن الرئيس بوش لم يقع في هذا الخطأ إلا للحظة واحدة بعد ضربة 11 سبتمبر، وتحت تأثير الصدمة.

ولكنه تراجع عنه فيما بعد، وهذه نقطة تسجل له على الرغم من كل ما قيل حول تديّنه وتبعيته للتيارات الأصولية في أميركا، فقد بالغ الصحافيون في التركيز على هذه الناحية، ولكن ليس من المؤكد أن جميع المحافظين الجدد أو صقور واشنطن هم في هذا الرأي، فهم ميّالون إلى اعتبار المسلمين كتلة واحدة صماء بكماء، ولا يمكن أن نواجهها إلا بالقوة المسلحة، كما يقول صقور واشنطن.

والواقع ان الشعوب في فترة الصراعات الحامية تميل إلى تشكيل صورة شيطانية عن بعضها البعض. ففي فترة الحرب الباردة مثلاً لاحظنا ان الغرب الرأسمالي شكل صورة مرعبة عن الشرق الشيوعي. والعكس صحيح، فدعاية الاتحاد السوفييتي كانت تبرز الغرب على أساس انه رأسمالي، امبريالي، مصاص لدماء الشعوب ليس إلا، ولم تكن تجد فيه صفة إيجابية واحدة.

وهذه هي سمة المعارك الايديولوجية الحامية. واليوم نلاحظ الشيء نفسه، فالعالم الإسلامي أصبح يشكل صورة مرعبة عند أميركا وبوش بعد حرب أفغانستان والعراق. وأصبحت أميركا الشيطان الأكبر منذ عهد الخميني، ونسينا أن فيها العلم والطب والجامعات المتقدمة والاكتشافات العلمية الهائلة.. والغرب أصبح يشكل صورة كاريكاتورية مخيفة عن عالم الإسلام بعد ضربة 11 سبتمبر و11 مارس في مدريد، أصبح كل مسلم مشبوهاً تقريباً ومداناً حتى تثبت براءته. وهذا أكبر انتصار يحققه المتطرفون في الواقع.

فقد كان هدفهم دائماً أن تهيج الشعوب على بعضها البعض وأن تحقد على بعضها البعض وأن تحصل الحروب بينها وتسفك الدماء أنهاراً.

فالمتطرفون لا ينتعشون إلا في مثل هذا الجو المقيت. ولكن لحسن الحظ فإن الأغلبية في هذه الجهة أو تلك تميل إلى الاعتدال والحوار والتواصل الثقافي والتفاعل الحضاري فيما بينها.

وبالتالي فالمستقبل هو لحوار الحضارات وتفاعلها فيما بينها لا لصدامها على عكس ما يزعم هنتنغتون وجماعة اليمين المتطرف. كذلك ثمة خطورة الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي على استقرار الأوضاع في الشرق الأوسط والعالم كله. إن هذا الصراع زاد من اتساع الشقة بين العالم العربي ـ الإسلامي والغرب، فقبله لم يكن العداء مستحكماً إلى هذا الحد، ولم يكن هناك كره بين اليهود والعرب، على العكس لقد كانوا يعيشون في تناغم وانسجام منذ أيام الأندلس وحتى وقتنا هذا.

وبالتالي فلكي تعود الأمور إلى سابق عهدها، ولكي ينتهي الحقد والتوتر في المنطقة، ينبغي علينا أن نحل هذه المشكلة عن طريق الانتصاف للشعب الفلسطيني وإعطائه دولته المنتظرة منذ زمن طويل.

وهكذا تعيش دولة فلسطين ودولة إسرائيل جنباً إلى جنباً وينتهي عصر التطرف والعنف وسفك الدماء.

وعندئذٍ تزول أكبر بؤرة للتوتر والصراع الدامي في العالم. ومسؤولية إيجاد الحل تقع على الغرب وبخاصة الولايات المتحدة لأنها هي القوة العظمى في العالم حالياً. إنها وحدها القادرة على الضغط على كلا الطرفين وبخاصة الطرف الإسرائيلي.

وبالتالي فإذا ما أراد الغرب القضاء على الإرهاب أو معسكر الشر فما عليه إلا أن يحل هذه المشكلة التي استعصت على كل الحلول منذ عشرات السنين. فالتطرف الأصولي يتغذى منها كما يعرف الجميع. وموقف الغرب ـ وبخاصة أميركا ـ كان دائماً منحازاً إلى إسرائيل ما عدا في أوقات قليلة جداً كفترة بوش الأب وجيمس بيكر.

وهناك مفكر أميركي آخر اشتهر بعد سقوط جدار برلين والشيوعية وهو: فرانسيس فوكوياما.

ومعلوم أنه كان تلميذاً لصموئيل هنتنغتون ولكنه اشتهر قبل أستاذه في الواقع. ينبغي ألا ننسى أن هنتنغتون كان أستاذاً للعلوم السياسية في جامعة هارفارد وعضواً في مجلس الأمن القومي، أو مستشاراً بالأحرى في عهدي كارتر وبريجنسكي.

لقد اشتهر فرانسيس فوكويما بأطروحة «نهاية التاريخ»، مثلما اشتهر أستاذه هنتنغتون بأطروحة «صدام الحضارات». والأولى متفائلة بمستقبل البشرية والتاريخ، في حين ان الثانية متشائمة. ففوكوياما يعتقد بأن انتصار الديمقراطية الليبرالية على الشيوعية التوتاليتارية يعني نهاية التاريخ. لماذا؟ لأنه لا يمكن أن يوجد نظام آخر بعد النظام الليبرالي الديمقراطي التعددي الحر.

فهو أفضل نظام في العالم وهو تتويج لمسيرة البشرية عبر التاريخ. ويعتقد فوكوياما أنه لم يعد هناك أي منافس لهذا النظام بعد سقوط الشيوعية. وبالتالي فسوف يعمم نفسه على جميع شعوب الأرض بالتدريج. من هذا الطابع المتفائل لأطروحة فوكوياما، فهو غير يائس بمستقبل البشرية، على عكس صموئيل هنتنغتون، ولا يعتقد بأن الصدام حتمي بين الكتل الحضارية.

فإذا ما أصبحت الشعوب الأخرى ديمقراطية وليبرالية ومتطورة اقتصادياً فلماذا تقع في حرب مع الغرب الأوروبي ـ الأميركي؟ لماذا تحقد عليه؟ لم يعد هناك من داعٍ لذلك. وهكذا نعيش في عالم مسالم مزدهر: أي العالم نفسه الذي حلم به الفلاسفة في مدنهم الفاضلة.

المصدر: http://science-islam.net/article.php3?id_article=840&lang=ar

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك