الاستشراق والمستشرقون: نظرة منصفة
أضافه الحوار اليوم في

الكاتب : أسماء عبد الرحمن العقيل
كلما فتحت كتاب المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي للمستشرق الهولندي فنسنك, أخرّج حديثاً؛ توقفت فترة متعجبة لهذا المجهود الضخم الذي نفع المسلمين إلى درجة أن هذا المعجم مقرر تدريسه في الجامعات الإسلامية وخصوصاً قسم الحديث والسنة، بل لا تكاد تخلو مكتبة طالب علم من هذا المؤلف لعظيم فائدته وشدة حاجة الدارس والعالم في معرفة مواطن الأحاديث من مصادرها الأصلية.
وأتساءل ما بيني وبين نفسي، لماذا ألف المستشرق الهولندي هذا المعجم الضخم مع جماعة من المستشرقين، ومكثوا في تأليفه 62 عاماً، وبذلوا جهوداً لا يمكن وصفها في فهرسة أحاديث تسعة كتب: البخاري ومسلم والترمذي وأبي داود والنسائي وابن ماجه والموطأ ومسند الإمام أحمد وسنن الدارمي.
هل بذل هذا الجهد العظيم لأجل تسهيل غاياتهم وأهدافهم في الإساءة لهذا الدين، والتشكيك في النبوة والرسالة، بحيث يسهل لهم الرجوع لأي حديث في أي مصدر دون عناء في البحث؟ أم أنهم فعلوا ذلك حباً في علوم الشرق وإكباراً لهذا الدين العظيم، وهذه العلوم الجليلة، فساهموا في إثراءها وتأليف هذا المعجم وغيره من المؤلفات الضخمة، ليضيفوا لمكتبة الشرق وعلومها عملاً لا يمكن الاستغناء عنه؟
قد لا نختلف في أن المستشرقين قدموا خدمة للعرب والإسلام بسبب ابتعاد بعضهم عن السيطرة الكنيسية، وتأثيرات المسيحية، معتمدين على المنهج العقلي والمنطقي في كتابة التأريخ، ولكن هذا لا ينفي وجود أهداف خبيثة عند بعضهم يرمون من خلالها الإساءة للدين والتشكيك في الرسالة والنبوة وفي القرآن.
ولا شك أن العالم عرف منهم حضارة بابل وسومر وآكد وآشور والفراعنة وغيرها، وفهرسوا الأحاديث النبوية بل ترجموا القرآن الكريم.
ولكن لا بد أن نقف أمام أعمالهم هذه موقف المحلل والمدقق خصوصاً في التأريخ والعقيدة والتراجم.
فلنتوقف قليلاً لنتعرف على ماهية الاستشراق ومتى ظهر، ودوافع المستشرقين، ونبذة عن بعض المستشرقين المشهورين ومؤلفاتهم وردود العلماء عليهم ثم نختم بموقف المسلمين منهم.
مفهوم الاستشراق
عند النظر إلى لفظة (استشراق) نجد أنها مصوغة على وزن استفعال، ومشتقة من مادة (ش ر ق)، (وقد أضيف إليها الألف والسين والتاء لتعني طلب الشيء فيصبح المعنى: طلب لغات الشرق وعلومه وأديانه. أو التعرف إلى العالم الشرقي من خلال الدراسات اللغوية والدينية والتاريخية والاجتماعية وغيرها, مع أنه لم نجد لها في القواميس العربية القديمة ذكراً أو تعريفاً، ولعل السبب في ذلك راجع إلى تأخر حدوثها.
ومن الغربيين الذين تناولوا ظهور الاستشراق وتعريفه المستشرق الفرنسي مكسيم رودنـسون Maxime Rodinson الذي أشار في كتابه الصور الغربية والدراسات الغربية الإسلامية إلى أن مصطلح الاستشراق ظهر في اللغة الفرنسية عام 1799بينما ظهر في اللغة الإنجليزية عام 1838، وأن الاستشراق إنما ظهر للحاجة إلى «إيجاد فرع متخصص من فروع المعرفة لدراسة الشرق», ويضيف بأن الحاجة كانت ماسة لوجود متخصصين للقيام على إنشاء المجلات والجمعيات والأقسام العلمية.
ولقد رأى الغرب أن هذا المصطلح ينطوي على حمولات تاريخية ودلالات سلبية, وأن هذا المصطلح لم يعد يفي بوصف الباحثين المتخصصين في العالم الإسلامي، فكان من قرارات منظمة المؤتمرات العالمية في مؤتمرها الذي عقد في باريس عام 1973 بأن يتم الاستغناء عن هذا المصطلح، وأن يطلق على هذه المنظمة (المؤتمرات العالمية للدراسات الإنسانية حـول آسيا وشمال أفريقيا (ICHSANA, وعقدت المنظمة مؤتمرين تحت هذا العنوان إلى أن تم تغييره مرة ثانية إلى (المؤتمرات العالمية للدراسات الآسيوية والشمال أفريقية ( ICANAS. وقد عارض هذا القرار دول الكتلة الشرقية (روسيا والدول التي كانت تدور في فلكها).
وإن اختاروا تغيير التسمية لأهداف معينة, ولكن تغيير الاسم يجب ألا يصرفنا عن الانتباه لما يكتبونه وينشرونه.
أما التعريف المتعارف عليه فهو: دراسات أكاديمية يقوم بها علماء غير مسلمين للإسلام والمسلمين من شتى الجوانب عقيدة وشريعة وثقافة وحضارة وتاريخاً ونظماً وثروات وإمكانات، سواء أكانت هذه الشعوب تقطن شرق البحر الأبيض أم الجانب الجنوبي منه، وسواء أكانت لغة هذه الشعوب العربية أم غير العربية كالتركية والفارسية والأوردية وغيرها من اللغات، لأهداف متنوعة ومقاصد مختلفة.
ولقد اختار الدكتور أحمد عبد الحميد غراب في كتابه رؤية إسلامية للاستشراق هـذا التعريف:
دراسات (أكاديمية) يقوم بها غربيون كافرون –من أهل الكتاب بوجه خاص- للإسلام والمسلمين، من شـتى الجوانب عقيدة، وشريعة، وثقافة، وحضارة، وتاريخاً، ونظمـاً، وثروات وإمكانات.. بهدف تشويه الإسلام ومحاولة تشكيك المسلمين فيه، وتضليلهم عنه، وفرض التبعية للغرب عليهم، ومحاولـة تبرير هذه التبعية بدراسات ونظريات تدعي العلمية والموضوعية، وتزعم التفوق العنصري والثقافي للغرب المسيحي على الشرق الإسلامي.
بداية الاستشراق
اختلفت الآراء في بداية الاستشراق فقد ذكر د.مصطفى السباعي في كتابه الاستشراق والمستشرقون أن بداية الاستشراق كانت عندما ذهب بعض الرهبان الغربيين إلى الأندلس في إبان عظمتها ومجدها وتثقفوا في مدارسها وترجموا القرآن والكتب العربية إلى لغاتهم وتتلمذوا على علماء المسلمين في مختلف العلوم وبخاصة الفلسفة والطب والرياضيات، ومن أوائل هؤلاء الراهب الفرنسي (جربرت Jerbert) الذي انتخب بابا لكنيسة روما عام 999م بعد تعلمه في معاهد الأندلس وعودته إلى بلاده، وبطرس المحترم 1092-1156، وجيراردي كريمون 1114-1187. وبعد أن عاد هؤلاء الرهبان إلى بلادهم نشروا ثقافة العرب ومؤلفات أشهر علمائهم.
ومنهم من ذكر أن بدايته كانت في القرن الرابع عشر ميلادي مستندين بذلك إلى مؤتمر فينا، الذي أصدر قراراته بتأسيس عدد من كراسي اللغة العربية في عدد من الجامعات.
وأكثر الآراء انتشاراً أنه بدأ في القرن الثاني عشر الميلادي, مستندين بذلك على أمور:
أن في هذا القرن تمت ترجمة القرآن لأول مرة إلى اللغة اللاتينية.
كما أنه في نفس القرن أنشئ أول قاموس لاتيني.
كما بذلت جهود كبيرة لتدريس اللغة العربية في القرن نفسه.
والجدير بالذكر أنه لم يظهر مفهوم الاستشراق في أوروبا إلا في نهاية القرن الثامن عشر الميلادي؛ فقد ظهر أولاً في إنجلترا عام 1779م، وفرنسا عام 1799م، وهو العصر الذي بدأ فيه الاستعمار على العالم الإسلامي ونهب تراثه الفكري ومخطوطاته.
وفي الربع الأخير من القرن التاسع عشر عقد أول مؤتمر للمستشرقين في باريس عام 1873م.
وقد بلغ اهتمام المستشرقين بدراسة الإسلام ذروته في إصدارهم (دائرة المعارف الإسلامية) التي تعد من أكبر الدراسات الاستشراقية للإسلام، وأعظمها خطورة خلال القرن العشرين، بل هي تمثل خلاصة جهود المستشرقين في الدراسات الإسلامية خلال القرون الميلادية الثلاثة الأخيرة. وتشير دائرة المعارف الإسلامية إلى أن دراسات المستشرقين للإسلام لم تكن مجرد جهود فردية، بل كونت أيضاً اتجاهاً منظماً يسير وفق خطط تشرف عليها مؤسسات علمية إذ لم يكن إصدار الدائرة عملاً فردياً يشرف عليه بعض المستشرقين المنتمين إلى قطر واحد أو إلى لغة واحدة، بل كان عملاً جماعياً دولياً عقدت له المؤتمرات، وتنادى من أجله المستشرقون من شتى دول أوروبا.
دوافع الاستشراق
لم يتوقف اهتمام علماء الغرب بالإنتاج الموسوعي لمعارفهم فقط، بل اهتموا بإنتاج الأعمال الموسوعية للأديان والحضارات الأخرى, ومن بينها الإسلام الذي لقي عناية خاصة في هذا المجال، وظهر ذلك جلياً بوضعهم فهارس لمصدري الإسلام الأساسيين مثل العمل الذي قام به المستشرق الألماني جوستاف فلوجل بعنوان (نجوم الفرقان في أطراف القرآن) وهو أول فهرس نشر في أوروبا للقرآن الكريم. وكذلك العمل الذي بدأه المستشرق الهولندي فنسنك بعنوان (المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي).
إن أهم ما يعتني به الاستشراق هو دراسة الإسلام والآداب العربية والحضارة الإسلامية.
وقد كان أول اهتماماتهم هو دراسة اللغة العربية، لأنها هي المفتاح للدخول إلى هذه العلوم والمعارف والثقافة الخاصة بالمسلمين وغيرهم، ولهذه الضرورة بدأ الغرب خلال القرون الوسطى في دراسة لغتين: العبرية، لصلتها بالدين النصراني، والثانية: العربية، لكثرة من يتكلم بها، ولوفرة المؤلفات المكتوبة بها، ولأن الفلاسفة والأطباء اعتمدوها لعرض علومهم, ثم انتشر بعد ذلك تعلم اللغات الشرقية الأخرى كالفارسية والتركية، وأنشأ الأوربيون المعاهد الخاصة في ذلك.
من أشهر المستشرقين
جولد تسيهر: (1865-1921م) مستشرق يهودي مجري بدأ رحلته عبر سوريا وفلسطين ومصر وحضر محاضرات المشايخ المسلمين في مسجد الأزهر, وكان أول يهودي في العالم تقلد منصب أستاذ في جامعة بودابست واعتنى في اللغة العربية على وجه الخصوص.
يعتبر جولد تسيهر أول مستشرق عمل على التشكيك في الأحاديث النبوية الشريفة، وقد ألف الكتب الكثيرة بهدف الطعن في الإسلام، وانبهر بكتاباته الكثير من العرب وقد عارضه بعض المستشرقين المتأخرين المنصفين.
من كتبه (الظاهرية مذهبهم وتأريخهم) بحث فيه عن الفقه وأصوله ودرس دراسة تفصيلية عن المذهب الظاهري وأصول المذاهب الفقهية المختلفة والإجماع والاختلاف بين الأئمة والصلة بين هذه المذاهب وبين المذهب الظاهري وما بينهما من فروق.
والكتاب الآخر (دراسات إسلامية) قسمه إلى جزءين، في الجزء الأول تحدث عن الوثنية والإسلام والجزء الثاني وهو الأهم: تحدث عن علم الحديث.
ومن مؤلفاته أيضاً: (الإسلام والدين الفارسي), (مذاهب التفسير الإسلامي) الذي ترجم للعربية باسم (العقيدة والشريعة في الإسلام)، ويعتبر هذا الكتاب من أخطرها حيث تحدث فيه عن محمد صلى الله عليه وسلم والإسلام ونفى كونه أتى بجديد وأرجع نمو الإسلام إلى التيارات والآراء الهندية والأفلاطونية، كما اتهم الإسلام والقرآن أنهما لم يتمّا كل شيء وأن الفقه الإسلامي تطوره وتأثره من القانون الروماني وأسهب في العقيدة وعلم الكلام بخزعبلات لا صحة لها.
وقد تصدى له كثير من العلماء وردوا على مزاعمه وآرائه الباطلة وممن قام بالرد عليه د.علي حسن عبد القادر بعد أن كان من المعجبين فيه لكن تبين له خلاف ذلك، وقد أكد في ترجمته لكتابه (المذاهب الإسلامية في تفسير القرآن) أن المؤلف قد تخلى عنه قلم العالم النزيه في نقد المسائل نقداً سليماً ومعالجتها في جو علمي لا تشوبه الأهواء ولا تعكر صفاءه الأوهام والشكوك.
ومن أفضل من قام برد مزاعمه وتفنيد آرائه د.مصطفى السباعي وهو أول من رد عليه بكتابة بحث فند فيه آراءه وشكوكه في الحديث النبوي وطعنه في الإمام الزهري عالم الحديث، ثم ألف كتاب (السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي).
كما قام أيضاً الشيخ محمد الغزالي بالرد على جولد تسيهر وذلك في كتابه (دفاع عن العقيدة والشريعة ضد مطاعن المستشرقين).
داود صمويل مرجليوث: (1858- 1940م) مستشرق إنكليزي. ولد بلندن، وتلقى العلم في ونشستر، ثم التحق بكلية نيوكوليج بجامعة أكسفورد، وحصل على الدكتوراه في الآداب، وعين أستاذاً لتدريس اللغة العربية في جامعة أكسفورد، وعين مدرساً للغات الشرقية في جامعة لندن. انتخب عضواً في المجمع العلمي العربي بدمشق، وعضواً في جمعية المستشرقين الألمان، وتقلد أخيراً رئاسة الجمعية الآسيوية الملكية ببريطانيا، وتوفي بلندن 1940م, ارتبط مرجليوث بحركة الاستشراق, واشتهر بقضية انتحال الشعر الجاهلي التي قيل إن طه حسين تأثر بأقواله واتجاهاته فيها. وله جهود كثيرة في مجال الدراسات والتحقيقات العربية والإسلامية, فقد حقق كتاب -معجم الأدباء- لياقوت الحموي، وفهرس عدداً من البرديات العربية، وشرح رسائل المعري وعقب عليها، وترجم أجزاء من (تجارب الأمم) لمسكويه, وكتب سير بعض المتصوفة مثل (عبد القادر الجيلانى).
وقد أرق الإسلام مرجليوث وهاله المد الإسلامي شرقاً وغرباً فوضع رسالة عن –مستقبل الإسلام- ناقش فيها بعض أقوال المستشرقين عن مستقبل الإسلام واختلف معهم, لأنهم رأوا أن الإسلام يضمحل ويضعف إذا اتصل بالتمدن الحديث، أما هو فقد ذهب إلى أن الإسلام يطول بقاؤه لالتئامه بالعلم والمدنية الجديدة، وهو رأي صحيح ولكنه خطير في الوقت نفسه لأنه يأتي بمنزلة التوجيه العام لحرمان المسلمين من التقدم العلمي والتحضر الحديث.
وقد عرضت الرسالة ونقدتها مجلة الهلال عدد نوفمبر 1904م وله كتاب آخر خطير عنوانه (محمد وظهور الإسلام) عرّض فيه بعرب الجاهلية ورماهم بعدم الغيرة على العرض وعدم عفة النفس.. أما حديثه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيخلو من التهذيب والدقة العلمية، فقد ذكر أن لفظ «حنيف» معناه في السريانية (الوثني) وفي العبرية (المنافق)، وأن المسلم معناه في الأصل الخائن وأن المسلمين حولوه إلى معنى التسليم المشهور اليوم، والكثير من الأخطاء التاريخية التي تدل على سوء نية، مما اضطرت معه الهلال عرض الكتاب وتفنيده والرد عليه وتصحيح الأغلاط التي وقع فيها في عدد مارس 1906م.
فنسنك ، أرنت: 1882م-1939م vensinek مستشرق هولندي واضع الأساس الأول للمعجم المفهرس لألفاظ العربية، وقد تولى تحرير دائرة المعارف الإسلامية, وكانت له فيها مقالات قيمة، تتلمذ على يد المستشرق هوتسمان ودي خويه وسنوك هورخرونيه وسخاو. حصل على الدكتوراه في بحثه (محمد واليهود في المدينة) عام 1908م. وصاحب المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي الذي قام بتحقيقه وترجمته محمد فؤاد عبد الباقي (1882 - 1967م)، وكان فؤاد عبد الباقي قد أرسل يستأذنه في ترجمته ونشره فأذن له بل فرح في ذلك وأرسل إليه الفصل الأول من المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي، فاطلع عليه، ووجد به أخطاء كثيرة، فضمنها كشفاً أرسله إلى الدكتور فنسنك، فسُر لذلك وطلب منه فنسنك تصحيح (بروفات) المعجم، فقام بتصحيح أخطائه وترجمته، وقد تخطف العلماء هذا المعجم أول ظهوره، حتى إنه كان يباع قبل أكثر من أربعين سنة بخمسة آلاف ريال حين كانت الآلاف الخمسة هذه تساوي ثروة كبيرة فعلاً.
بدأ في عمل المعجم المفهرس مستعيناً بعدد كبير من الباحثين وتمويل من أكاديمية العلوم في أمستردام ومؤسسات هولندية وأوروبية أخرى، -وفهرسة الأحاديث بالنسبة لهم من أهم الأمور التي تساعدهم في دراسة الإسلام والسبر في غوره والإحاطة بجميع جوانبه- وقد فهرس في معجمه للكتب الستة: البخاري ومسلم والترمذي وأبو داود والنسائي وابن ماجه والموطأ ومسند الإمام أحمد وسنن الدارمي, وأصدر أيضا كتاباً في فهرسة الحديث فهرسة موضوعية لكتب الحديث: البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والموطأ ومسند أحمد وسنن الدارمي ومسندي زيد بن علي وأبي داود الطيالسي وطبقات ابن سعد وسيرة ابن هشام ومغازي الواقدي، وقد رتب كتابه على المعاني والمسائل العلمية والأعلام التاريخية وقسم كل معنى أو ترجمة إلى الموضوعات التفصيلية المتعلقة بذلك ثم رتب عناوين الكتاب على حروف المعجم، واجتهد في جمع ما يتعلق بكل مسألة من الأحاديث والآثار الواردة في هذه الكتب، ترجمه فؤاد عبد الباقي بعنوان (مفتاح كنوز السنة)، وهو بخلاف المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي الذي تم تبويبه على الحروف وفهرسه فهرسة لفظية, وله مؤلفات عديدة منها كتاب في العقيدة الإسلامية نشأتها وتطورها التاريخي.
جوستاف لوبون: 1841-1931م، طبيب ومؤرخ فرنسي عني بالحضارة الشرقية، من أشهر مؤلفاته (حضارة العرب), وقد عني بالحضارات المصرية وحضارة الأندلس وحضارة الهند، ويعتبر من المنصفين الذين أنصفوا الأمة العربية والحضارة الإسلامية.
وقد خالف غوستاف كثير من المستشرقين والمؤرخين الأوربيين في إنكار فضل الإسلام على العالم الغربي, بل إنه أقر أن المسلمين هم من مدنوا أوروبا، وقد قدم هذا الكتاب منصفاً لتاريخ العرب, وكان عادلاً في تأريخه وفي حضارتنا الذي جمع فيها كل ما كان له تأثير منها للعالم دون إجحاف أو تزييف للحقائق.
وقد كانت له آراء منصفة تخط بماء الذهب من ذلك رأيه في المرأة حيث قال: الإسلام لا النصرانية هو الذي رفع المرأة من الدرك الأسفل الذي كانت فيه، وكان يرى أن عمل المرأة هو تربية الأسرة مشاطرة لرأي الشرقيين.
وله مؤلفات أخرى لكن هذا الكتاب من أبرز مؤلفاته والتي انتفع منها المسلمون.
جاك بيرك: (1995 - 1910م) مستشرق فرنسي، مؤرخ اجتماعي للعالم الإسلامي وأحد أعمدة الثقافة الفرنسية المعاصرة.
شغل العديد من المواقع الفكرية في فرنسا والعالم العربي وعضو مجمع اللغة العربية بالقاهرة. أنجز العديد من الآثار الفكرية ومنها ترجمته للقرآن الكريم والتقديم لهذه الترجمة، وكتاب (الإسلام من الأمس إلى الغد).
وكان من أهداف ترجمته للقرآن هو أن تكون أساساً لتوجيه المزيد من الإدانات ضد القرآن الكريم، هذا ما وضحته د.زينب عبد العزيز في كتابها رسالة إلى جاك بيرك والذي كشفت فيه أنه يتعامل مع النص القرآني بوجه ويتحدث عنه بوجه آخر يشوه صورة الإسلام.
وإن كان عمله يعتبر جهداً ملموساً لم يقم به كثير من المترجمين فيؤخذ صوابه ويترك منه خطؤه، وقد أنصف بعضهم في رأيهم فيه استناداً لأعماله الجليلة ومواقفه الشجاعة والعادلة إزاء العرب.
وهناك غيرهم الكثير من المستشرقين من الذين دأبوا على دراسة العلوم العربية، وألفوا العديد من الكتب التي تعتبر في بعض الأحيان مراجع لا تستغني عنها المكاتب العربية ضمن ثروتها العلمية وإن اختلفت أهدافهم.
بل بعضهم كانت مؤلفاته بمثابة اكتشاف جديد لبعض التراث العربي الذي اندثر, كما فعل المستشرق الفرنسي الشهير لويس ماسينون (1883-1962م) الذي درس التصوف وتخصص في دراسة الحلاج ومصطلحات الصوفية, وبالرغم من آرائه السلبية في تصرفاته وأقواله التبشيرية إلا أنه قدم أعمالاً أدبية كثيرة، وأعاد اكتشاف الكثير من التراث العربي والإسلامي.
أخيراً
لا يمكن التحامل المطلق ولا الثناء المطلق, إنما هي نظرة منصفة لأعمال هؤلاء بغض النظر عن أهدافهم, إلا إذا كان في عملهم إساءة واضحة وتحريفاً جليّاً.. هنا نقف موقف المدافع والمفند في الرد على أباطيلهم بمنهجية عادلة وحجج قوية كما فعل كثير من علماؤنا وألفوا الكتب في ذلك. وعلينا ألا نغفل جانب أن المستشرق يكتب عندما يكتب عن الإسلام فإنه لا يتجرد عن مواريثه الدينية والفكرية الخاصة بل يكون واقعاً تحت تأثيرها.
ولكن لا ننسى أن البعض من المعاصرين منهم –وإن كانوا قلة- أهدافهم علمية لأجل دراسة العلوم الشرقية واكتشاف ما اندرس منها حباً في العلم والتراث, بل إن بعضهم أسلم كما حدث مع محمد أسد، ونجح الكثيرون منهم بنقل حضارات كانت مغيّبة ودراستها وتحليلها وجمعها كما سبق وأوضحنا في مدى استفادة المسلمين من كثير من كتبهم وبخاصة كتب التراجم والتخريج, ومن أعظمها المعجم المفهرس لألفاظ الحديث والذي مازال إلى الآن في يد كل طالب علم وطالب حديث بغض النظر عن أهدافهم في تأليفه.
فتكون عندنا منهجية عادلة في الحكم على المستشرق ومؤلفاته لتكون قاعدتنا هي:
أن الاستشراق الجاد هو الذي يقوم بعمل علمي مفيد بعيداً عن أي مغالطة أو طائفية أو تشويه لصورته أو إفساد لمكانته أو تهجماً على العرب والإسلام.
الحوار الخارجي: