القانون لابن سينا وفلسفة الطب

 

إعداد: إبراهيم أحمد

لا تزال مؤلفات عباقرة الحضارة الإسلامية تحظى باهتمام كبير من مؤرخي العلوم والمعارف والفنون في العالم، حيث يعترف المنصفون من العلماء والمفكرين والباحثين الغربيين بالقيمة العلمية لهذه المؤلفات، ودورها في الارتقاء بالعلوم والمعارف التي صنعت حضارة الغرب، ومن هؤلاء العلماء العظام الذين ملؤوا الدنيا علماً وفكراً وثقافة، وكانوا بحق أساتذة في كل مجالات العلوم والمعرفة التي تخصصوا فيها: أبو علي الحسين بن عبد الله الملقب "بابن سينا"، ولد في مدينة أفشنة بالقرب من بخارى سنة 980 ميلادية، وتوفي سنة 1037 بمدينة همدان، جمع بين مختلف العلوم فبرع في الفلسفة والطب والرياضيات والفلك، ويعد من أشهر علماء الحضارة الإسلامية، بل من أشهر علماء العالم.
ألّف ابن سينا بالعربية وأحياناً بالفارسية، ويمثّل ذروة تفكير القرون الوسطى، وهو مشبع بتعاليم أرسطو بعد أن تناولها "الأفلاطونيون الجدد"، ومن مؤلفاته: موسوعة فلسفية سمّاها "كتاب الشفاء"، وترجمة لاقليدس، ودراسات في الحركة والتلامس والقوى والفضاء والضوء واللانهاية والحرارة، ومما قاله في هذه الدراسات: إن سرعة الضوء محدودة آنية، وتناول الموسيقا في "كتاب الشفاء " بطريقة حسابية حققّ بها تقدماً محسوساً على الفارابي، وانحرافاً على الرأي الشائع وقتئذ بإمكان تحويل المعادن بعضها إلى بعض، وألّف من المنطق كتاب "الإشارات والتنبيهات"، وذاع صيته إلى درجة أن الناس عزوا إليه السحر في أيامه.

ترجمات أوروبية 
أما كتبه فأهمها "القانون" وملخصه "أرجوزة في الطب"، وقد تأثر ابن سينا في طبّه بمذهب أبقراط وأرسطو، لكنه أضاف ما كشفت له تجاربه في حقلي المعالجة، وتركيب الأدوية، وقد ترجم كتاب "القانون" إلى اللاتينية، وطبعت أجزاء من هذه الترجمة مرات عدة قبل سنة 1500، وطبعت الترجمة طبعات كاملة في البندقية، وقد ترجم الكتاب أيضاً إلى العبرية، وأول طبعة عربية من الكتاب صدرت في روما عام 1593م.
ومن الطبعات الجزئية لـ "القانون" طبعة باريس 1657م، وهال بألمانيا 1796م، وفريبورج 1844م، وهولندا 1896م، وكانت كليات الطب في الغرب حتى أوائل القرن العشرين تنشر في رسالاتها أجزاء من الكتاب، ويؤكد مؤرخو علم الطب أن الأوروبيين مالوا إلى آرائه الطبية فشرحوها بعد أن ترجموها، بل نسبوا إليه كل فضل في علم الطب.
ويشمل كتاب "القانون" خمسة أقسام: خصص القسم الأول منه للأمور الكلية في علم الطب، فهو يتناول حدود الطب، وموضوعاته، والأركان، والأمزجة، والأخلاط، وماهية العضو وأقسامه، والعظام والعضلات، وتصنيف الأمراض وأسبابها بصفة خاصة، والطرق العامة للعلاج.
وخصص ابن سينا القسم الثاني من كتاب القانون للمفردات الطبية، وقسّمه إلى جزأين: الأول يدرس ماهية الدواء وصفاته، ومفعول كل دواء من الأدوية على كل عضو من أعضاء الجسم، ويتناول الجزء الثاني المفردات مرتبة ترتيباً أبجدياً.
أما القسم الثالث من الكتاب فقد خصصه ابن سينا لأمراض كل جزء من الجسم من الرأس إلى القدم.
والقسم الرابع يتناول الأمراض التي لا تقتصر على عضو واحد كالحميات، وبعض المسائل الأخرى كالأورام والبثور والكسر والزينة.. وفي القسم الخامس دراسة للأدوية المركبة.

فيلسوف الطب 
عن هذا الكتاب النفيس يقول المؤرخ الدكتور محمد أمين فرشوخ: لقد قسّم ابن سينا الطب في القانون إلى قسمين رئيسيين: نظري وعملي، وشدد في محاربته الأمراض على المريض للقوة الحياتية الموجود في كتابه مصطلحات جديدة أدتّ للطب خدمات جليلة، وفيما يلي أهم الإرشادات في كتاب "القانون":
- درس الأمراض العامة تفصيلياً للرأس والجمجمة والنخاع والعين والأذن والأسنان.
- درس النبض، ورأى له توازناً موسيقياً، وشخّص الأمراض استناداً إليه، كما ذكر أقسام العضلات والعظام، وفصّل في وصف أعراض الجسم.
- درس الأمراض المعدية والفصلية والموسمية، وتحدث عن تلوث الهواء، وانتقال العدوى بالوراثة، ورأى للرطوبة والعفونة في الأمراض الداخلية أهمية كبرى.
وعن القيمة العلمية لكتاب "القانون" يقول أحد المؤرخين: كان هذا الكتاب إلى عهد غير بعيد أساس تعليم الطب في كل أوروبا، ويلاحظ فيه الطابع الفلسفي المعني بالتنظيم والترتيب والتصنيف، ومحاولة تطبيق الاعتبارات الفلسفية على الطب، ولذلك يمكن أن يلقب ابن سينا بفيلسوف الطب.

المصدر: جريدة البعث
الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك