الإعلام التربوي ذلك الحاضر الغائب!

عامر عبد الله الشهراني

نريد إعلاما تربويا حقيقيا يشارك فيه جميع منسوبي التربية والتعليم، ولا يكون محصورا في المهتمين بالإعلام من المعلمين أو الموظفين، ويغيب عنه الطلاب
 

مفهوم الإعلام التربوي من المفاهيم الحاضرة والغائبة في الوقت نفسه، فهو حاضر كجزء من الهيكل التنظيمي على مستويات مختلفة بدءا من الإدارة العامة للإعلام التربوي بوزارة التربية والتعليم إلى إدارة الإعلام التربوي على مستوى الإدارات العامة للتربية والتعليم، وصولا إلى جماعة الإذاعة المدرسية على مستوى المدرسة، وهذا الحضور على المستوى التنظيمي مقبول إلى حد ما، ولكن نشاطاته محدودة جدا إن لم تكن غائبة، وفي حالة حضورها فقد لا تتعدى تصريحات للناطق الإعلامي للوزارة، أو الإدارة عندما يكون هناك موقف يتطلب الرد الإعلامي، أو برنامج الإذاعة المدرسية في طابور الصباح الذي تسيطر عليه فئة محدودة من الطلاب، أو الطالبات، وتتكرر موضوعاته، ولا يحتوي على إبداعات، أو ابتكارات، كما أن هناك جهودا فردية في هذا المجال على مختلف المستويات، ولكنها لا ترقى إلى المأمول من هذا الجهاز الإعلامي، وهنا أقول إن ما قد يتصوره بعض المسؤولين في وزارة التربية والتعليم، وإداراتها، ومدارسها عن الإعلام التربوي لا يمثل المفهوم الصحيح للإعلام التربوي بمفهومه الحديث، والشامل، بل هو إعلام تقليدي إن كان حاضرا، ولا يحقق أي أهداف تربوية، وقد يكون غيابه أفضل من حضوره في عصر أصبح كل طالب إعلاميا في منزله، وفي مدرسته.
وهذا يتطلب من المسؤولين عن الإعلام التربوي في وزارة التربية والتعليم أن يعقدوا عدة لقاءات موجهة لمناقشة عدد من الجوانب، والظهور منها بعدد من الأهداف الاستراتيجية التي تحدد مستقبل الإعلام التربوي على مدى عشر سنوات على الأقل، وتكون هناك مشاريع طموحة لتحقيق هذه الأهداف وفق خطة استراتيجية محددة وواضحة، رؤيتها، ورسالتها، وأهدافها، ومن أهم جوانب هذه الخطة تحديد مفهوم حديث وشامل للإعلام التربوي بمختلف مستوياته؛ حيث هناك تعريفات متعددة، ومختلفة لهذا المفهوم، وتكون هناك خطة لنشر ثقافة هذا المفهوم، ويلي ذلك تحديد لأهم الأسس التي يقوم عليها الإعلام التربوي سواء في مدارسنا، أو الإدارات التعليمية، حيث الأسس الحالية التي يدركها، ويعمل على ضوئها بعض المسؤولين عن الإعلام التربوي تتداخل بشكل كبير مع أهدافه، وهنا يوجد خلط بين المفاهيم، ولا بد من التمييز بين الأسس التي يقوم عليها الإعلام التربوي، وأهدافه المراد تحقيقها. الجانب الآخر الذي يمكن أن يتحقق من خلال اللقاءات هو تحديد مجالات الإعلام التربوي بشكل واضح ومحدد لجميع العاملين في هذا المجال، بدلا من الاجتهادات الفردية التي قد تكون مناسبة في وقت معين، وغير مقبولة في أوقات أخرى.
ومن المعروف أن وسائل الإعلام متعددة، ومتنوعة، وبالإمكان توظيف أغلبها بيسر وسهولة في مجالات الإعلام التربوي المختلفة، وفي الواقع يكون التركيز على وسائل إعلامية محدودة جدا، ولا يكون هناك تنوع في توظيف وسائل الإعلام التربوي المختلفة بشكل عام، وما هو متوافر منها في وسائل الإعلام الحديث، ومن المعروف أن المدارس بمراحلها المختلفة تضم العديد من المواهب من الطلاب، ومن المعلمين في المجالات الإعلامية، وغيرها من المجالات، وهذه الطاقات معطلة، ولم تتم الاستفادة منها بالشكل الصحيح، وهنا قد يكون من المناسب أن أقدم اقتراحا لعله يجد من يعمل به وهو أن تخصص ساعة إذاعية بالتنسيق مع إذاعة جدة، أو إذاعة الرياض، وأخرى تلفازية وعلى مدى أسبوع كامل لكل إدارة عامة للتربية والتعليم، وفي كل يوم يقدم فريق مكون من الطلاب بإشراف بعض المعلمين حلقة إذاعية، وفريق آخر حلقة تلفازية من إعداد وتنفيذ الطلاب وبإشراف بعض معلميهم وبتخطيط جيد من الإعلام التربوي في هذه الإدارة؛ بحيث تكون هذه البرامج متوافقة مع شروط وضوابط البرامج التي تقدم في الإذاعة، والتلفاز وعلى مدى أسبوع، وفي الأسبوع الذي يليه يتم تكرار ذلك من خلال إدارة تعليمية أخرى ببرامج مختلفة في موضوعاتها، وموادها، والمشاركين فيها، وهكذا، وهنا أنا على يقين بأننا سنكتشف العديد من المواهب، والإبداعات، والابتكارات التي لم نتوقعها بين طلابنا، ومعلميهم، فقد نجد بين الطلاب أو الطالبات من يتقن دور المراسلين الإعلاميين الصغار، ومنهم من يتقن مهارات التمثيل، ومنهم من يمتلك القدرة على تقديم البرامج الإذاعية، أو التلفازية بكل ثقة، ونجد منهم من يقول الشعر ويتمكن من مهارات إلقائه، وبذلك تستطيع المدارس أن تسهم في خدمة المجتمع من خلال مناقشة بعض الموضوعات المجتمعية في هذه البرامج، ونكتشف الطلاب الموهوبين، ونشجعهم على الوقوف أمام لاقط الإذاعة، أو كاميرات التلفاز، ونكسر حاجز الخوف، والتردد لديهم، وحقيقة فهذا المقترح جزء رئيس من وسائل الإعلام التربوي الغائب، الذي بحاجة إلى أن يكون حاضرا في هذه الأيام بشكل أكبر منه في السنوات الماضية خاصة بعد ظهور الإعلام الجديد، وانتشار توظيف وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة.
وفي الختام، نحن نريد إعلاما تربويا حقيقيا يشارك فيه جميع منسوبي التربية والتعليم، ولا يكون محصورا في المهتمين بالإعلام من المعلمين، أو الموظفين، ويغيب عن ذلك الطلاب، فالطلاب هم جيل المستقبل، ولا بد من إتاحة الفرصة لهم لإبراز مواهبهم وقدراتهم المختلفة، والمدفونة في كثير من الأوقات.

المصدر: جريدة الوطن.

الأكثر مشاركة في الفيس بوك