الوجه القبيح

محمد عبد المنعم الصاوي

لا أعنى به الوجه الآخر الذى أحاول ويحاول الكثيرون غيرى إخفاءه عن عيون الآخرين، فهذا قبح تتضاءل خطورته أمام القبح الذى أعنيه؛ ذلك لأننا -على الأقل- نحاول السيطرة عليه، ونعيش فى حالة سعى دائم لتغيير ملامحه حتى لا يفضحنا إذا ظهر يوماً رغماً عنا.. أما الوجه القبيح الذى أعنيه، فيتمثل فى تلك المظاهر والسلوكيات التى ترتبط بأشياء جميلة ومحببة إلى قلوبنا.

ولنبدأ بالصداقة.. فهى أفضل صيغ العلاقات بين الناس: القريب المحبب إليك تتخذه صديقاً.. الجار الأمين تتخذه صديقاً.. زميل العمل الودود تتخذه صديقاً.. . يزداد التقارب، وتضيق المسافات، وتتبادلان الأسرار، وربما يساعد أحدكما الآخر على أى نحو..

إلى هنا والأمور حسنة، والعلاقة صحية، ووجهها مشرق وبراق، ولكن -وفى كثير من الأحيان- يقترن بهذا الوجه الحسن وجه آخر قبيح: يختلط على الأصدقاء الفارق بين التبسط والتدنى اللفظى، فتجدهما يتبادلان أفظع السباب من أفواه ترسم ابتسامات عريضة، فَتَعْقُبُها ضحكات هادرة!! ليه؟ ولماذا؟ وما المتعة وراء هذه الإهانة المتبادلة؟ المؤكد أن أحداً لا يفكر وهو يظهر هذا الوجه القبيح!!

لا أستطيع أن أمنع نفسى عن تحميل صاحب كل مهارة عالية فى السباب أن يفكر قليلاً فى بشاعة ما يفعله بكل المحيطين به، وأغلب ظنى أنه لم يفكر فى الأمر أبداً، وإنما تعامل معه من منطلق: الكل يفعل! وربما أضاف: هل تعيشون فى كوكب آخر؟ وتكتمل الثلاثية: ابحثوا أولاً عن حلول للمشاكل الكبرى، وبعدها ننظر فى موضوع السب والألفاظ التى لا تعجبكم!!

وأنتقل بكم إلى الرياضة، وهى فى نظرى من أهم ما أبدع الإنسان، وما عبر به عن حمده لله على نعمه التى لا تُعدّ ولا تحصى ومن أهمها الصحة.. ارتبطت بدايتها بمنافسات بعضُها دموى، وكثيرٌ منها يقوم على المراهنات والمؤامرات وشراء الذمم.. ظهر الوجه الجميل للرياضة ووصل إلى قمة تألقه مع بدء الدورات الأولمبية الحديثة التى طهرتها من الفساد المالى إلى حد كبير، وأخضعت قواعدها لمصفاة دقيقة، فلم تقبل منها إلا تلك الألعاب والمباريات التى تقوم على التنافس الشريف واللعب النظيف والشفافية المطلقة والفرص المتكافئة.. وكثيراً ما قلت مردداً وراء من سبقونى: إن الرياضة تعنى بالأخلاق والسلوك وبناء الشخصية السوية قبل أن تضبط الجسد وترفع لياقته وقدرته على تحمل أعباء ومسئوليات الحياة.

أما الوجه القبيح، فهو ذلك الوجه الذى تعمقت ملامحه نتيجة للفهم الخاطئ لأهداف الرياضة السامية، وحصرها فى فوز وهزيمة! أدى هذا إلى فساد المناخ الرياضى فى كل أنحاء العالم، وبدأت وسائل الإعلام تخرج علينا بالمصيبة بعد الأخرى؛ انتقلت الصراعات من الملاعب.. إلى المدرجات.. إلى الشوارع المحيطة بالاستادات.. ووصلت إلى محطات القطار وسائر المواصلات!!

تنبه عالم العقل والحكمة إلى خطورة ما يحدث، فبادروا باتخاذ كل ما يلزم لتغيير الثقافة الرياضية واستعادة نقائها؛ منعوا الخمور فى محيط الملاعب لعدة كيلومترات.. وضعوا كاميرات المراقبة على مقاعد الجمهور، وقبل ذلك كله نظموا حملات إعلامية مدروسة بعناية.. اليوم يذهب المرء فى بلاد الحضارات الحديثة إلى الملاعب مع أسرته، والابتسامة لا تفارق وجوههم؛ يشجعون بأدب، ويستمتعون بالأداء المتميز، ويخرجون وكلهم إصرار على تقليد النجوم وممارسة الرياضة، ويستفيد الجميع من ممارسة الرياضة، بعد أن تخلصت عندهم -وعقبالنا- من وجهها القبيح!!

أما السياسة فوجهها القبيح يكمن فى عدم الاعتراف بحق الآخرين فى الاختلاف، وإقرار أن الاختلاف والتنوع نعمة.

المصدر: http://elwatannews.com/news/details/152789

الحوار الداخلي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك