الترجمة وحوار المتوسط في التاريخ‏

شوقي جلال

 

نخطئ منهجياً حين نتحدث عن قضية اجتماعية بمعزل عن السياق الاجتماعي الشامل في تعدده وتنوعه ومساره ‏التاريخي مع المقارنة بخبرات الآخرين.‏
مثال ذلك أن نناقش واقع حال الترجمة وكأنه نشاط مستقل عن واقع حال النشاط العلمي أو التعليمي أو الاقتصادي ‏أو العسكري أو السياسي أو عن واقع حال التنشئة الاجتماعية أو نوع ومحتوى الوعي بالتراث ودوره في ‏المجتمع.‏
اعتدنا أن نقول «الترجمة حوار بين الحضارات»؛ ولكن نسينا أن الحوار تفاعل وجدل معرفي صاعد في اطراد ‏أخذاً وعطاء بين طرفين أو أكثر على أساس من التكافؤ والنديّة، والرغبة في تحصيل جديد يدعم المشروع ‏الوجودي لأي من أطرافه. إذ بدون هذا يكون حواراً للطرشان، أو محاكاة مظهرية عقيمة، لهذا لا نرى الترجمة ‏حواراً شكلياً ولا نشاطاً للترفيه والتسرية فحسب، بل نشاطاً اجتماعياً متكاملاً في منظومة واحدة مع مجموع ‏أنشطة المجتمع الهادفة إلى تعزيز وجود الفرد والمجتمع من حيث الفكر والفعل الاجتماعيين، ومن حيث القدرة ‏على مواجهة تحديات مفروضة محلية وخارجية في صورة استجابات إبداعية لا محاكاة أو نقلاً مجانياً عن آخر ‏في الزمان أو في المكان بل إبداعاً نابعاً من واقع الذات بفضل الفكر والفعل الاجتماعيين لانتزاع أو اقتناص حق ‏الوجود.‏
ومن هنا نقول: الترجمة هي إحدى آليات تمكين المجتمع في السياق الحضاري بين الأمم. وتتأكد أهمية وحيوية ‏هذا التعريف في سياق ظروف العولمة التي تعني أن المعرفة قوة، وتعني تكثف الزمان والمكان، وتكثف ‏الاتصالات، ومن ثم تكثف التفاعل العلمي والتكنولوجي والثقافي بين الشعوب، ومع هذا الزوما إنسان/ مجتمع ‏أهل لهذا الحوار والمشاركة فيه.‏
إن المجتمعات التي تتصف بالحيوية الدينامية المطردة في عصر العولمة هي مجتمعات مشاركة إيجابياً في حوار ‏علمي/تكنولوجي/ثقافي على الصعيد العالمي، ومشاركة أو متنافسة على أرضية الإبداع أو السبق الإبداعي في ‏عناصر هذا الحوار، والسبق في امتلاك ناصية أغنى رصيد للمعرفة قرين القدرة على استثماره وتوظيفه ‏وتطويره. معنى هذا أن رصيد المجتمع من إنجازات في صورة إبداع علمي وتكنولوجي متطور يمثل الدعامة ‏الأولى والأساسية التي تؤهله للمشاركة الإيجابية في هذا الحوار. وطبيعي أن هذا الرصيد جامع بين مصدرين: ‏إبداع محلي، واستيعاب لإنجازات الآخرين.‏
إن جناحي النهضة أو البناء الحضاري هما معاً وفي آن واحد، الإبداع المحلي في مناخ حر قرين استيعاب ‏إنجازات الآخرين، وسيادة رأي عام داعم بثقافته لهذا الجهد. ويصبح هذا النهج أكثر ضرورة وإلحاحاً في عصر ‏الترابط الشبكي بين المجتمعات والأفراد في عصر العولمة.‏
ويمثل واقع حال الترجمة دالَّة كاشفة عن حال المجتمع وأهليته في ضوء أبعاد متعددة: البعد المعرفي والثقافي ‏العلمي والتعليمي والإبداعي، وهي جميعاً متشابكة في جديلة أو منظومة واحدة ذات عمق تاريخي اجتماعي، ‏وأيضاً ذات مدلول اقتصادي سياسي. أو لنقل بمعنى آخر: إن نشاط الترجمة دال على مستوى نشاط المجتمع ‏جملة في حركة هذا المجتمع سلباً أو إيجاباً؛ تقدماً أو نكوصاً على صعيد السباق الحضاري في ضوء كم ونوع أو ‏محتوى المترجمات. ونلحظ أنه على الرغم من تواتر وتكثف الحديث في كل أنحاء العالم العربي عن الترجمة ‏ونقل المعرفة خلال السنوات الأخيرة، إلا أننا لم نخط خطوة عملية حقيقية على طريق الكشف، ومن ثم معالجة ‏الأسباب الحقيقية الكامنة وراء التدنَّي الشديد لمستوى الترجمة.‏
والتواصل مع الذات ومع الآخر، الجماعة والطبيعة، عامل حيوي؛ بل هو شرط الحياة بالنسبة للبشر ولضمان ‏بقائهم على المستوى البشري. إذ لا حياة بشرية بدون التواصل عبر الرمز/اللغة مكتوبة أو شفاهة أو فنية. ‏والتواصل تفاعل ثقافي وحضاري يجري من خلال انتقال الأفكار والمبادئ والمفاهيم الناتجة عن حركة أو نشاط ‏معرفي خبري اجتماعي. وتمثل الترجمة إحدى أهم قنوات التواصل وأقواها أثراً في نقل المعارف والمفاهيم بين ‏المجتمعات، وتطوير الثقافة. هكذا حال المجتمعات عبر التاريخ.‏
حوار العقائد والفكر بين بلدان المتوسط
ولقد كان البحر المتوسط، كمثال ساحة حوار وتحالفات وصراعات هادئة أو ساخنة بين شعوب المنطقة، وكانت ‏الترجمة إحدى آليات الفعالية الحضارية دائماً. نعرف أن مصر واليونان وفارس كانت قبل الميلاد بقرون أهم ‏القوى الإقليمية في شرق المتوسط، واشتعلت المنافسة، كما تكررت المحاور والتحالفات فيما بينها.‏
يحكي التاريخ كيف كانت مصر كعبة المعرفة العلمية يقصدها علماء وفلاسفة الإغريق ومنهم طاليس ‏وفيثاغورس وأفلاطون وغيرهم، كما يروي البعض أن معبد دلفي في أثينا أعاد بناءه الفرعون المصري أمازيس ‏بعد أن أحرقه بعض الآثينين بزعم أنه يقدم لرواده تعاليم تناهض التعاليم التقليدية السائدة. ‏
ويؤكد مارتن برنال في كتابة الضخم والمهم: (أثينا إفريقية سوداء) على هذا المعنى وأن الربة أثينا مستوحاة من ‏مصر – أفريقيا. وطبيعي أن كانت الترجمة آلية معرفية وتثقيفية لا غنى عنها في ذلك.‏
ونذكر هنا مدرسة الإسكندرية التي أنشئت في العصر الهللينستي. وكانت المدرسة ساحة تفاعل فكري وفلسفي ‏وعقيدي متعدد اللغات بين فلاسفة ومفكرين من مدارس فلسفية ودينية ومذهبية مختلفة. وتمثل المدرسة تجسيداً ‏حياً لمعنى التفاعل ودوره في الإثراء الفكري فضلاً عن إسهاماتها في تأويل النصوص. وقبل هذا التاريخ كانت ‏مدرسة أو معبد (بعنخ) المصري الفرعوني في راقودة على شاطئ المتوسط والذي أنشئت مدرسة الإسكندرية ‏البطلمية على غراره.‏
وحرى أيضاً أن نذكر منطقة شرق المتوسط وآسيا الوسطى التي توهجت فيها مدارس فكرية وصراعات ‏وحوارات عقدية عن المسيحية والإلهيات في تنوع خصب تجسدت في مدارس ومذاهب فكرية. ونضيف كذلك ‏الأنشطة الاجتماعية العلمية والعقدية والفكرية في بابل وآشور والسريان ومراكز الفكر في أنطاكيا وحران والرها ‏ونصيبين وأوغاريت. وكانت جميعها قلاعاً فكرية وعقائدية آثرت بإشعاعاتها في الإقليم على اتساعه، مثلما كانت ‏لها جميعها تفاعلاتها خارج الحدود، وكان لبعضها حضور ثقافي بل ومادي داخل شبه الجزيرة العربية مثل ‏فارس والرومان ومصر فضلاً عن رحلات القوافل التجارية.‏
ونجد دور الترجمة واضحاً أيضاً في المعاهدات المعقودة بين البلدان مثل المعاهدة المعقودة بين رمسيس الثاني ‏في مصر وملك الحيثيين حيث كان بين كل منهما صورة من المعاهدة بلغته. وترجم الرومان إثر غزوهم لليونان ‏المعارف اليونانية إلى لغتهم اللاتينية، ومن أهم هذه الترجمات الأوديسة سنة 240م. ويذكر التاريخ أن عمر بن ‏الخطاب عني بتعريب الدواوين نقلاً عن الفرس.‏
يوم أن تكلمت الحضارة بلسان عربي
وجاء عصر النهضة العربية بمراحله الأربعة بداية من خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان أول من أمر ‏بترجمة التراث اليوناني إلى اللغة العربية، وكذا تعريب ما سبق نقله من اليونانية إلى السريانية.‏
واستمر العرب في عهد الخلافة العباسية ينقلون تراث الفكر اليوناني والروماني والهندي والفارسي استجابة ‏لضغوط مشكلات وسجالات اجتماعية وعقائدية التماساً لحلول عقلية ومنهج حاكم لمسيرة الفكر. وحرص العرب ‏على مدى فترة (النهضة العربية الإسلامية) على نقل وترجمة العلوم الطبية والرياضيات والفلك فنجد كتب ‏إقليدس وأرشميدس وبطليموس في الهندسة والفكر، وكتب أبو قراط وجالينوس في الطب، وكتب أرسطو ‏وأفلاطون في الفلسفة. وترجموا عن الهنود العديد من الكتب العلمية والأدبية من مثل كتاب (شاناق في السموم) ‏و(السند هند) في الرياضيات والفلك وغيرها، واستفاد العرب من الهنود في حل جملة من المسائل الفلكية المتعلقة ‏بعلم المثلثات الكروية، واقتبسوا عدداً من الاصطلاحات الرياضية مثل مصطلح جيب في حساب المثلثات ‏والهندسة.‏
وبلغ نشاط الترجمة ذروته في عصر المأمون المولود لأم فارسية والذي تولى إمارة مرو في جنديسابور التي ‏ضمت دار الحكمة الفارسية. وأنشأ المأمون على غرار هذه الدار دار الحكمة في بغداد وجمع فيها كل ما استطاع ‏من ذخائر اليونان والسريان والهنود والفرس والرومان.‏
وتميز نشاط الترجمة في عصر النهضة العربية بأنه نشاط مؤسسي، أعني اختصت به أسر معينة بالعلوم ‏وترجمتها وإن عملت تحت رئاسة الدولة. ويمثل أيضاً منظومة معرفية متكاملة وإطاراً حضارياً. ودعمت الدولة ‏كما دعمت الأسر مشروعات الترجمة بالتمويل المباشر وتوفير الكتب. ونذكر من بين هذه الأسر:‏
‏1. أسرة بختيشوع وكانت تعنى بالطب وهو مهنتهم.‏
‏2. أسرة موسى بن شاكر وتخصصت في الهندسة وعلم الحيل (الميكانيكا) والمساحة والفلك والفيزياء.‏
‏3. أسرة حنين بن إسحق عميد المترجمين.‏
وتجسد الأسرة مشروعاً علمياً وفكرياً في صورة منظومة محددة وهادفة.‏
ويذكر التاريخ من أهم المترجمين الرواد أسماء:‏
‏- أبو يحيى البطريق الذي ترجم معظم مؤلفات جالينوس في الطب.‏
‏- حنين بن إسحق شيخ المترجمين الذي درس اللغة العربية على تلامذة الخليل بن أحمد الفراهيدي في البصرة ثم ‏سافر إلى بلاد اليونان حيث تمكّن من اللغة اليونانية، لذا تميزت ترجماته بالدقة والوضوح.‏
‏- ثابت بن قرة الذي ترجم عن اليونانية كتباً في التنجيم والحساب.‏
‏- محمد بن إبراهيم الفزاري وكان أبوه فلكياً وألف منظومة في الفلك، ويقال إنه أول من صنع الاصطرلاب وإن ‏قالت روايات أخرى إن الصين أيضاً أول من صنعه.‏
‏- عبدالله بن المقفع وترجم عن البهلوية بعض الكتب في المنطق والطب والأدب (كليلة ودمنة).‏
‏- ابن الباطق وترجم أعمال أبو قراط.‏
‏- المسعودي وترجم كتاب العناصر كما ترجم المجسطي لاقليدس.‏
‏- يحيى بن ماسويه الذي كان يكتب بالسريانية والعربية وكان متمكناً من اليونانية وله كتاب عن الحميات الذي ‏تمت ترجمته إلى اللاتينية فيما بعد.‏
التلاقح الفكري في مناخ الحرية شرط الإبداع والتجديد
والتجربة العربية درس عملي بالغ الأهمية حري أن نتعلم منه. إنها تجسيد واقعي لمعنى التلاقح الثقافي بين ‏الحضارات في مناخ الحرية. إذ كان المترجمون من أبناء حضارات مختلفة في المجتمعات المحيطة بشبه ‏الجزيرة العربية. وضم العرب قطاعات واسعة من هذه البلدان التي أضحت منهكة حضارياً، وشديدة التنوع ‏فكرياً وعقائدياً ومذهبياً تحت راية سلطة سياسية واحدة جديدة تحمل اسم عقيدة الإسلام. وخلق الواقع الجديد ‏فرصة جديدة لتفاعل جديد على نطاق إقليمي واسع بين ميراث هذه الإنجازات الحضارية السابقة.. تفاعل في ‏سياق جديد مغاير، وتحت مظلة سياسية جديدة.. سياق يمتد مكانياً من حدود الصين عبر الهند وفارس إلى شرق ‏المتوسط ومصر وبلاد الإغريق.. وكان الوضع الجديد وما أثاره من قضايا لها تاريخها السابق أشبه بحقنة ‏أدرينالين منشطة لجسد واه ضعيف، فبثَّت الروح والحمية فيه من جديد، وأفاق الجسد إلى حين.‏
وتجلت ثمار التفاعل في ظل السياق الجديد وقضاياه الجديدة.. وكانت مرحلة لاستيعاب فكر وافد، وإيقاظ فكر ‏موروث متنوع المصادر، وتفاعل من منطلق خصوصيات سابقة متنوعة مع رؤى وفكر إسلامي جديد، وليس ‏بالغريب، وإنما يمثل نقلة على امتداد متصل الأديان في تطورها الإقليمي. ‏
وأصبحت المنطقة العربية خزانة المعارف، وذاكرة العالم الحضارية على مدى أربعة قرون، وحلقة من حلقات ‏مسيرة تداول الحضارات بين المجتمعات، كما تطورت واغتنت اللغة العربية وأصبحت لغة العلم بفضل إنجازات ‏العلماء العرب ومناخ الحرية. وبينما كان القرن 14 بداية ونذيراً بانحسار النهضة العربية فقد كان القرن 14 ‏أيضاً بداية وبشيراً بانطلاق النهضة الأوروبية كمركز جديد في مسيرة تداول الحضارات. وإذا كان انحسار ‏النهضة العربية له أسباب عديدة محلية وخارجية مثل غزوات المغول، والحروب الصليبية، وسوء الإدارة داخلياً ‏وإغلاق باب الاجتهاد وانتصار الأصولية ومن ثم وأد العقل العلمي فقد استهلت حركة النهضة الأوروبية ‏‏(الرينسانس) مسيرتها من إيطاليا اعتماداً على النهم المعرفي، وتقديس العقل، ورفض التقليد والتبعية العمياء ‏للسلف والدعوة إلى أن يكون أبناء العصر هم فقهاء عصرهم. واتجهت الأنظار إلى كنز المعرفة المتمثل في ‏الترجمات العربية للتراث العلمي الإنساني إضافة إلى إبداعات علماء العرب.‏
ومال ميزان الحضارة عن العرب إلى الغرب
وإذا كان نشاط الترجمة في عصر النهضة العربية انطلق بدافع البحث عن منطق جديد يحكم قواعد الفكر ‏والحوار بل والصراع الدائر والمتطور وقتذاك بشأن قضايا ومشكلات أفرزها الواقع الجديد، والتمس فلاسفة ‏وعلماء ومفكرو العرب ضالتهم في فكر بلاد الإغريق ومصر وفارس والهند والسريان والنساطرة.. إلخ كذلك ‏حال الغرب الذي التمس في مستهل النهضة وعلى مدى مسيرتها لبضع قرون، حلولاً لقضاياه ومشكلاته بين ‏سطور وكتب مفكري وفلاسفة وعلماء العرب مثل ابن رشد والخوارزمي وابن الهيثم وابن خلدون وغيرهم.. ‏مثال ذلك السجال بشأن القروض والربا والحاجة إلى تحديد مساحة الاختصاص لكل من رجال الدين ورجال ‏السلطة الزمنية وأهل الفكر والعلم، فرجال الدين يفتون في أمور الدين، والعلماء أدرى بشؤون دنياهم اعتماداً ‏على العقل العلمي في مناخ الحرية.‏
والرينسانس وتعني البعث أو الميلاد الجديد حركة ثقافية امتدت من القرن 14 وحتى مطلع القرن 19 وبدأت من ‏إيطاليا ومنها انتشرت إلى بقية أنحاء أوروبا. بدأت أول ما بدأت في فلورنسا. وجدير بنا أن نذكر أن فلورنسا ‏والبندقية كانتا مركزين لنشاط تجاري في العصر الميركانتيلي لتجارة القوافل عبر طريق الحرية الممتد من ‏الشرق الأقصى (الصين) ثم بلاد فارس وبلاد العرب. هذا علاوة على التشابك بين العرب وأوروبا من خلال ‏الحرب الصليبية. واطلع الغرب على ثقافة الشرق بفضل التجارة وأيضاً أثناء الحروب الصليبية. وبدأ الغرب، ‏وهو يتشوف للنهضة، يعود بالنظر إلى ماضيه القديم وثقافته العلمية والأدبية والفكرية وعرف أن هذا كله مودع ‏في خزائن العلم العربي. وتجلى دور الترجمة واضحاً. وانتقلت العلوم العربية مترجمة إلى اللاتينية إلى فلورنسا ‏وباليرمو عاصمة صقلية، وساليرنو جنوب شرق نابولي، هذا بالإضافة إلى طليطلة وقرطبة في الأندلس. وتمت ‏الترجمة إلى اللاتينية وكذا إلى العبرية ولغات أخرى.‏
ومن أشهر المترجمين عن العربية قسطنطين القرطاجي والمسمى الأفريقي، وترجم علوم الطب في القرن 11 ‏وتولى مهام تعليم الطب في ساليرنو. امتلك مكتبة ضخمة من الكتب الطبية العربية ومن بينها كتاب (القانون) في ‏الطب لابن سينا وترجمها إلى اللاتينية وظلت مرجعاً علمياً في مدارس الطب في أوروبا حتى القرن 17 وإن ظل ‏بعضها كذلك حتى القرن19.‏
ومثلما كان المأمون في بغداد، كذلك كان فريدريك الثاني ملك صقلية 1194 – 1250 الذي شجع عملية نقل ‏المعارف عن اللغة العربية، وحرص على تبادل الرسائل العلمية مع العلماء والفلاسفة العرب. وهو المسؤول عن ‏إنجاز كتاب المجسطي لبطليموس عن العربية إلى اللاتينية، وكذا ترجمة أعمال عالم الفلك أبو العباس أحمد ‏الفرغاني إلى اللاتينية. وقام بتوسيع مدرسة الطب في ساليرنو واستهل إنشاء جامعة نابولي.‏
وظهر في عهده ليوناردو فيبوناتشي ‏Leonardo Fibonacci (1194–1950‎‏) من رجال البلاط في قصر ‏فريدريك الثاني وهو مبتكر المتواليات الحسابية، ودرس مع علماء الرياضيات العرب.‏
وحري أن نشيد بدور العلامة الإدريسي، أبو عبدالله المعروف بالشريف (1100–1165) الرحالة المولود في ‏سبتة في المغرب. درس في قرطبة وبرع في علم الهيئة (البحث في أحوال ومواقع الأجرام السماوية) وفي ‏الجغرافيا ورسم الخرائط وفي الطب والحكمة والشعر. طاف ببلاد الروم واليونان ومصر والمغرب وفرنسا ‏وإيطاليا والشرق الأقصى. دعاه الملك روجر ملك النورمانديين إلى صقلية حيث بقى هناك ورسم له الإدريسي ما ‏عاينه من البلدان على كرة من الفضة وأهداه كتابه (كتاب روجر) الذي تضمَّن شكل الكرة الأرضية وأفاد به ‏روجر بيكون وكوبرنيكوس.‏
وتذكر ميشيل سكوت (1217–1240) سكوتلاندي ومن أذكى عقول رجال بلاط فريدريك الثاني في باليرمو. ‏عمل في مركز الترجمة العربي في طليطلة وقدم نسخة لاتينية لأعمال ابن رشد الفلسفية. وترجم كتاب الأجسام ‏الكرية للبطروجي (نور الدين أبو إسحق البطروجي) ت 1185 ويعرفه الأوروبيون باسم البطراجيوس ‏Alpetragius‏. فلكي أندلسي. وألف كتابه هذا في نقد بطليموس. وترجم سكوت أيضاً من العربية إلى اللاتينية ‏كتاب أرسطو تاريخ الحيوان.‏
وهناك أيضاً شارل الذي عمل بالترجمة في جنوب إيطاليا وترجم مع آخرين إلى اللاتينية الموسوعة الطبية ‏الضخمة للرازي المعروفة باسم (الحاوي).
الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك