فقر دم في جسد الثقافة

عبد الله إبراهيم الكعيد

    كانت الثقافة كجهاز رسمي وليس كفعل تُعاني ومازالت مآزق كثيرة لم تخرج منها للآن لعدة أسباب سأتناول جانباً واحداً فقط؛ لأن تناول أو حتى الإشارة لكل تلك المآزق يتطلب مساحة أكبر وربما يشتت القضية ويضيع دمها المهدور.

ربما ينفع سرد لمحة عن تاريخ الجهاز الرسمي المسؤول عن الثقافة في بلادنا ليكون مدخلاً للحكاية. فقد كانت الرئاسة العامة لرعاية الشباب هي الحاضن لهذا النشاط الهام ولم أفهم هذا الارتباط بين رعاية شباب ورعاية ثقافة حتى تم فك هذا الارتباط بعد مطالبات عديدة. المطلب كان إنشاء وزارة مستقلّة للثقافة وجمع شتاتها في بيت واحد وأب شرعي يسعى أولاً لإصدار صك حضانة واعتراف بها كمكوّن أساس لهوية الأمّة وعنوان عريض يقدمنا للآخر. تأخر فك الارتباط وحين تم كان المأزق.

تخيلوا مفردة ثقافة بكل معانيها وما يمت إليها بصلة يتم اختزالها معنوياً ومادياً بشيء هامشي وصغير يُلصق بوزارة الإعلام العريقة. بالضبط كما الإعلان عن "يتيم" جار البحث عمّن يكفله. المراكز الثقافية وجمعية الثقافة والفنون وفروعها وكافة أنشطتها والأندية الأدبية ناهيك عن صالات الفنون ودور التراث والمعارض الثقافية والمشاركات الخارجية(لا أتحدّث عن الإنسان هنا بل المسؤوليات) يُنشأ لها وكالة وزارة على استحياء وبكوادر بشرية ربما كانت من فوائض الأجهزة التي انسلخت منها..!

كل هذا كوم وميزانية جميع ما يتعلّق بثقافة وطن بحجم بلادنا كوم آخر بل طامة أدّت لهذا التردي في صورتنا الثقافية التي اهتزّت داخلياً وخارجياً. هل يكفي البكاء على اللبن المسكوب؟ قطعاً لا فالمشوار لم ينتهِ بعد ولازال في الأمل بقيّة.

لن أُخاطب البيروقراطي ولا حُرّاس الخزينة المالية فهؤلاء هم بداية المُشكلة وليسوا نهايتها. أقول إذا يُعتقد بأن للثقافة أهميّة كتأمين الغذاء والدواء وتوفير الأمن فلماذا هذا التقتير (المادي والمعنوي)غير المعقول ولا المقبول من قبل الأجهزة المعنيّة؟

إزاحة الثقافة من المتن لتكون في الهامش دليل واضح على أن هناك خللاً في فهم دورها في حراسة تاريخ وفكر الأمّة بالإضافة إلى كونها خط دفاع أمين لأي غزو فكري أو محاولة لخلخلة هويّتنا، وليس الفكر المتطرف ونتاجه الإرهاب عن الأذهان ببعيد.

إمّا وزارة ثقافة مستقلّة لها من الصلاحيات والميزانيات ما يجعلها قادرة على إدارة هذا النشاط بكل اقتدار وكمال، أو إن كان هناك تُخمة في عدد الوزارات فليُنشأ مجلس أعلى للثقافة والفنون والآداب يُربط مباشرة برئيس مجلس الوزراء وتُخصص له الموارد المالية من الميزانية العامة للدولة أسوة ببقية الوزارات والمجالس. وإلاّ فلنقرأ على ثقافة وفنون بلادنا السلام ولنجلس في مُدرّج المتفرجين نتلقى ثقافات الأمم الأخرى ونتطبّع بهوياتها.

المصدر: جريدة الرياض

أنواع أخرى: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك