الحوار

مها حسين محسن القثامي

 

مـــقدمــــــه:

يؤكد المهتمون بأدبيات التربية بأن الحوار من أهم أدوات التواصل الفكري والثقافي والاجتماعي والاقتصادي التي تتطلبها الحياة في المجتمع المعاصر لما له من أثر في تنمية قدرة الأفراد على التفكير المشترك والتحليل والاستدلال، كما ان الحوار من الأنشطة التي تحرر الإنسان من الانغلاق والانعزالية وتفتح له قنوات للتواصل يكتسب من خلالها المزيد من المعرفة والوعي، كما انه طريقة للتفكير الجماعي والنقد الفكري الذي يؤدي إلى توليد الأفكار والبعد عن الجمود ويكتسب الحوار أهميته من كونه وسيلة للتآلف والتعاون وبديلاً عن سوء الفهم والتقوقع والتعسف. 
ومفهوم الحوار: لغة: الجواب، وقيل المحاورة: المجاوبة والتحاور والتجاوب. 
واصطلاحاً: حوار يجري بين اثنين أو أكثر حول موضوع محدد للوصول إلى هدف معين. 
الحوار في الإسلام 
ولقد أكد ديننا الإسلامي على قيمة الحوار وأهميته في حياة الأمم والشعوب، وذلك من خلال ما ذكره الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز حيث قال سبحانه {أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن}، وهذا توجيه حكيم إلى أمة محمد بأهمية استخدام الحكمة والحوار في دعوة الناس إلى طريق الحق من خلال الحوار الهادف والتذكير بالله والمجادلة بالكلم الطيب مما يشير إلى قيمة كبيرة في حياة كل مسلم وهي استخدام الكلمة الطيبة والدعوة الصادقة في التعامل مع الناس وفي حوار الآخر وفي التأكيد على قيمة الرفق بالآخر والصبر وإظهار محاسن الدين بالقدوة الحسنة. 
والمتأمل لحياتنا اليومية يجد أن الحوار هو مرتكز أساس لحياتنا وخاصة بعد دخول الاتصالات المادية التي هي جزء من نشر الحوار اليومي من خلال أجهزة الاتصالات الهاتفية والقنوات الفضائية. 
وبما ان الحوار أصبح حاجة إنسانية وعلماً يدرس ومهارة تكتسب فإن هناك أسساً لهذا العلم ينطلق من خلال التعرف على مفهوم الحوار وأنواعه وأهميته في حياتنا اليومية سواء أكان هذا الحوار معداً له من قبل أو من خلال الحوار التلقائي البسيط الذي يجري بين الناس دون إعداد أو ترتيب. ويعمل الحوار على تهميش ثقافة أحادية التفكير والإقصاء الذي يمارسه البعض تجاه الآخر مما يساعد على التعرف على الآراء المطروحة وأسباب طرحها لكي يسهل الحوار من خلالها للوصول إلى إظهار الرأي وبيان وجاهته وقيام الحجة على الطرف الآخر. 
أهمية الحوار :
وتظهر أهمية الحوار بأنه حاجة إنسانية مهمة يتواصل فيها الإنسان مع غيره لنقل آرائه وأفكاره وتجاربه وقيمه، كما ان الشعوب أصبحت في حاجة ماسة لنقل حضارتها من خلال الحوار، كما ان الحوار يساعد الإنسان إلى تقوية الجانب الاجتماعي في شخصيته من خلال حواره مع الآخرين وتواصله معهم، كما ان العصر الذي نعيش فيه أصبح لزاماً على الإنسان أن يدرك مهارة الحوار من خلال ظهور القنوات الفضائية فأصبح في عالم متسارع من الاكتشافات العلمية والانفجارات المعرفية في جميع مجالات الحياة. 
أنواع الحوار
أنواع الحوار: الحوار الوطني: هو الحوار الذي يجري بين أبناء المجتمع لمناقشة القضايا الوطنية من خلال مؤسسات المجتمع المدني أو الأمني وقد يكون في مؤسسة عامة تعنى بالحوار الوطني مثل مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني والذي احتضن خمسة لقاءات وطنية وجميع اللقاءات السابقة تناولت مواضيع تهم شرائح المجتمع. 
الحوار الديني: وهو حوار يجري بين مجموعة من الناس للتعرف على تعاليم ديننا الإسلامي ودعوة الآخرين إلى الدخول في ديننا وشرح بعض الكتب الفقهية. 
الحوار الاقتصادي: ويعنى هذا الحوار بالجوانب الاقتصادية التي تتناول المواطن أو المؤسسات الاقتصادية وتتخذ هذه الحوارات أدوات متعددة من خلال اللقاءات المتلفزة أو من خلال المنتديات الاقتصادية أو من خلال المؤتمرات الاقتصادية، كما حدث في مدينة الرياض قبل أيام قريبة مما جعل أصحاب التخصص الواحد يناقشون بفاعلية جميع الهموم والرؤى الاقتصادية تحت مظلة وطنية متخصصة. 
الحوار التربوي: تعمل المؤسسات التربوية في تحديد العديد من الموضوعات التربوية للحوار حولها مع المعنيين بالشأن التربوي من مفكرين ومثقفين وباحثين وتربويين ومن أهم هذه الحوارات المؤتمرات التربوية السنوية أو لقاءات الجمعيات المتخصصة مثل جمعية جستن التربوية ولقاءات الإشراف التربوي، وتعمل هذه الحوارات على نشر الرؤى والأفكار التربوية وتصحيح المفاهيم الخاطئة. 
الحوار الأمني: وهي الحوارات التي تعقد في المؤسسات الأمنية لمناقشة القضايا التي تهم المجتمع وتعمل على التواصل معه من خلال المؤتمرات والندوات والبحوث الأمنية لمناقشة مواضيع الجريمة والحرائق وحوادث السير والمخدرات وغيرها للوصول إلى حلول والاستفادة من الأطروحات والأبحاث التي تنشر للوصول إلى تكامل في الخدمات الأمنية. 
الحوار السياسي: وهذه الحوارات مهمة في حياة الدول والعالم كله إذ ان هذه الحوارات تعمل على مناقشة قضايا الحدود ومشكلاتها وتعمل على إيقاف الحروب وتبعاتها، كما انها تعمل على عقد اتفاقيات صلح ومعاهدات بين الدول وغيرها. 
الحوار الاجتماعي: وهي حوارات تعقد في المؤسسات الاجتماعية لمناقشة القضايا الاجتماعية من خلال المؤسسات الحكومية والمؤسسات الأهلية. 
الحوار الرياضي: مجموعة من الحوارات تعقد في الأندية الرياضية من خلال المعارض أو المؤتمرات التي تعقد وتستخدم فيها وسائل الإعلام المتنوعة لنشر الأفكار والمعلومات والقوانين الجديدة وغيرها. 
الحوار التلقائي: وهي أكثر الحوارات التي تجري في حياتنا اليومية من خلال لقاءاتنا في المناسبات الاجتماعية والمنازل وفي اتصالاتنا الهاتفية وهي حوارات متنوعة وغير مركزة تبدأ فجأة وتنقطع وغالباً لا تركز على موضوع محدد ولا تتوصل إلى نتائج محددة. 
غاية الحوار : 
قد سبقت في ثنايا التعريف ، قال الحافظ الذهبي : ( إنما وضعت المناظرة لكشف الحق ، وإفادة العالم الأذكى العلم لِمن دونه ، وتنبيه الأغفل الأضعف وثمت غايات فرعية أو ممهدة لهذه الغاية ، منها : 
- إيجاد حل وسط يرضي الأطراف. 
- التعرف على وجهات النظر. 
- البحث والتنقيب للاستقصاء والاستقراء. 
أسباب نجاح الحوار
ويؤكد المهتمون بالحوار بأن من أهم أسباب نجاح الحوار يعود إلى إدراك المحاورن إلى آداب الحوار وإلى فنياته الموصلة إلى الهدف ومن أهم آداب الحوار أن يكون المحاور حاضر الذهن مركزاً في الطرح وألا يقاطع الطرف الآخر ولا يسابقه بالحديث ولا يرفع صوته وأن يحسن النية بالطرف الآخر ولا يظهر الظن السيىء به لأنه حضر لكي يطرح رأيه للوصول إلى الحقيقة، ويحدد الموضوع مسبقاً بين المتحاورين لكي يسهل التركيز في الطرح للوصول إلى النتيجة الإيجابية، وان يركز المتحاور على موضوع الحوار وليس صاحب الحوار من أجل أن يكون الحوار موضوعيا ومحققا للهدف، وليس من أجل تحقيق انتصار شخصي للطرف الآخر، وأن يستخدم الكلمات الجيدة بين المتحاوين وتحية بعضهم بتحية الإسلام الخالدة، والتحلي بالشجاعة في تقبل الرأي الآخر، وعدم الإساءة للآخرين بالعبارات أو الإشارات. 
وتعد الحوارات الناجحة عندما يؤكد المحاور على فنيات الحوار الناجحة وتتمثل في التركيز على استخدام الأرقام والاحصائيات الدقيقة والحديثة واستخدام الرسوم البيانية التي تحدد تسلسل الموضوع وتفاعلات، وأن يكون لديه مؤشرات مهمة في طرحه لبعض المواضيع وذلك من خلال استقرائه للموضوع، ويجب أن يقلل المحاور من الانطباعات الشخصية في حديثه وحواره، كما يعد استخدام التقنية في حواره أمراً مهماً من خلال زيادة التفاعل في طرحه وعرض أفكاره بشكل إيجابي، وتعد فنية مهارة الاستماع مؤشرا رائعا لاستمرار الحوار والوصول للهدف كما ان تحديد موضوع الحوار والهدف منه مؤشر لاصدار الحكم على نجاح الحوار. 
والمتأمل لآداب الاستماع عالية بين الحضور، كما شاهدنا احترام الآراء مهما اختلف الطرح، وفي المقابل طرحت الرؤى التصحيحية بشكل جيد لبعض الآراء، ولقد استخدم البعض التقنية في عرض بعض المداخلات لتوضيح الفكرة، كما شاهدنا الكثير يستشهد بالأرقام والاحصائيات لتأكيد ما يعتقده، كما تم التركيز على المواضيع المطروحة ومناقشتها دون النظر إلى أصحابها، مما يؤكد على أن النقد هادف وموصل للحقيقة، ولقد كان النقل المباشر للقاء مساعداً على مشاركة المجتمع لهذا التجمع الوطني الكبير الذي أصبح سمة من سمات وطننا الحبيب وبدأت تذوب من خلاله الكثير من الاختلافات، وتزداد من خلاله وحدتنا الوطنية. 
? إضاءة المحاور هو الشخص المفكر المرن الواعي بحقوق الآخرين

مقدمة في الخصوصية الدلالية للألفاظ في القرآن الكريم :

هذا الكتاب كما تعلمون أنزل بلسان عربي مبين ، الألفاظ التي استعملها و الجمل و التراكيب والأساليب و كل ذلك من البيان العربي ، لكن هذا الكتاب انطلق من الألفاظ بدلالتها المعروفة المألوفة لكنه منذ بدأ نزوله حتى انتهاء نزوله ضمن الألفاظ مفاهيم و وضعها في سياقات بعينها جعلها في النهاية تنتقل دلاليا من المعاني التي كانت لها في اللسان العربي إلى آفاق جديدة إلى مفاهيم جديدة تنسجم مع هذه الرؤية الشمولية الربانية التي جاءتنا من الله جل جلاله و التي يجب أن نستدرجها بين جنوبنا و نصدر عنها في كل ما نأتي و ما نذر ، لذلك فالألفاظ و إن كانت عربية و توجد في المعاجم العربية و في الكتب العربية إلا أن درسها الحقيقي ينبغي أن يتركز بعد التعريج على كل ذلك و استيعاب كل ذلك ، ينبغي أن يتركز على استعمالاتها في القرآن الكريم لتستخلص الخصوصيات الدلالية لهذه الألفاظ ليتمهد الطريق إلى فقه عالم القرآن بصفة عامة .

النقطة الأولى : في ورود اللفظ في القرآن الكريم

مادة هذا اللفظ وردت أربع مرات مما له صلة بموضوعنا، ورد الفعل المضارع الثلاثي ،في قوله جل جلاله بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ( يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه ، فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا و ينقلب إلى أهله مسرورا ، و أما من أوتي كتابه وراء ظهره فسوف يدعو ثبورا ، و يصلى سعيرا ، إنه كان في أهله مسرورا ، إنه ظن أن لن يحور ، بلى إن ربه كان به بصيرا) ظن أنه لن يحور: ظن أن لن يرجع .
في سورة الكهف في قصة صاحب الجنتين : ( و اضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب و حففناهما بنخل و جعلنا بينهما زرعا كلتا الجنتين آتت أكلها و لم تظلم منه شيئا و فجرنا خلالهما نهرا و كان له تمر فقال لصاحبه
و هو يحاوره أنا أكثر منك مالا و أعز نفرا و دخل جنته و هو ظالم لنفسه ……)
إلى أن يقول العبد المؤمن الصالح في جواب هذا المغتر: ( قال له صاحبه و هو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم سواك رجلا لكنا هو الله ربي و لا أشرك بربي أحدا و لولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله إن ترن أقل منك مالا و ولدا فعسى ربي أن يوتيني خيرا من جنتك و يرسل عليها حسبانا من السماء فتصبح صعيدا زلقا أو يصبح ماؤها غورا فلن تستطيع له طلبا ) و كانت هذه النتيجة ( و أحيط بثمره )
بعد هذا وردت أيضا في سورة المجادلة في الآية الأولى : ( قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها و تشتكي إلى الله
و الله يسمع تحاوركما ) إذن ورد :" يحور" ، و "يحاور" مرتين و تحاوركما مرة واحدة، معناه أن هذه المادة وردت أساسا في الصورة الفعلية في صورة الثلاثي و صورة الرباعي "حاور " التي منها ، و لا بأس أن أقول إن الحوار هذا اللفظ لم يرد هكذا بهذه الصيغة في القرآن الكريم و هو في المعاجم العربية هو اسم من المحاورة و هو قياسيا أيضا مصدر الفاعل التي لها مصدران مشهوران المفاعلة و الفعال كالمقاتلة و القتال ، و هو أيضا اسم من حار يحور كذلك .
فأيضا الحوار له صلة بهذه المادة الثلاثية الأصل .

و" التحاور" هذا الخماسي هكذا وردت المادة في الصورة الفعلية و في الصورة الاسمية و لا بأس من الإشارة إلى أن ورود المادة في الصورة الفعلية يعني فيما يعني اشتغال القرآن بالجانب العملي لا بالجانب النظري ، و كثيرا ما حدث هذا في عدد من المفاهيم .

النظرة الثانية : في معاني الحوار في المعاجم العربية

مداره على ثلاثة معاني، يقول ابن فارس : الحاء ، و الواو، و الراء ، في المقاييس ثلاثة أصول لا يعنيني الأول ، أحدها….. ، و الآخر الرجوع و الثالث أن يدور الشيء دورانا .
المدار في الحقيقة على ثلاثة معان هي الرجوع ، و لكنه نوع من الرجوع خاصة نص عليه في بعض المعاجم كقول صاحب اللسان: "و أصل الحوار ، الرجوع إلى النقص" ليس رجوعا مطلقا ، بل الرجوع الذي يكون من درجة فيها زيادة إلى درجة فيها نقص ، و لذلك قال صلى الله عليه و سلم في الحديث المشهور ، في دعائه المشهور: ( اللهم إني أعوذ بك من الحور بعد الكور) الكور : الذي يكون للعمامة ، و الحور : الذي يأتي عكس ذلك
و هذا له صلة بمعنى المحاورة أيضا ، لأن أي محاور ينطلق من محاولة الوصول…. – و سيأتي هذا في الهدف –إلى أمر عمليا يدخل فيه النقصان على الطرف الثاني و تكون عنده زيادة من جانبه ، فهذا الرجوع ، هذا المعنى الذي هو الرجوع و لا سيما إلى النقصان هذا معنى بارز للمادة ، كذلك معنى الدوران الذي منه المحور كذلك معنى بارز للمادة ، كذلك معنى التردد ، و هذا الذي وقف عنده الراغب خاصة الراغب الاصفهاني في المفردات – هو معنى التردد ، الشيء يتردد بين شيئين بصفة عامة يتردد بين حالين .
هذا المعنى هو الذي جعل منه المحاورة و فسرها بالمرادة في الكلام ، يرد أحدهما على الآخر ، و كل واحد منهما يكون له موقف بعينه و هذه المعاني من الناحية العملية بصفة عامة في الحقيقة يعني تتكامل فيما بينها ، إذا أحببت أن تضع خطا جامعا لها يمكنك أن تفعل ذلك لأن هذا التردد يدور بين الطرفين .

النظرة الثالثة : في مكونات مفهوم الحوار في القرآن الكريم ، انظر إلى هذا النقطة من خمس جهات :

- من جهة مادة الحوار : إذا تأملنا في هذه الآيات التي وردت فيها المادة بصفة عامة خصوصا مادة – يحاور-
و–التحاور- ، و التحاور بصفة عامة التي لها صلة لصيقة و قوية بموضوعنا الذي نحن فيه ، أما الأخرى فعامة .
أقول في المادة : مادة هذه المحاورة و هذا الحوار ، نجدها في القرآن الكريم كلامية ، دائما هناك قول : الحوار نتيجة قول سواء وقفنا عند آية التحاور ( قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها و تشتكي إلى الله و الله يسمع تحاوركما) هذا التحاور كان قوليا ، و كان أساسا بين رسول الله صلى الله عليه و سلم و الصحابية الجليلة خولة بنت خويلد، كذلك ( قال له صاحبه و هو يحاوره ) بمعنى : القول موجود و ضمن القول كان هذا الكلام الذي قصه الله علينا لأن الجملة الحالية –
قال له و هو يحاوره –معناه أنه قال كلاما آخر ضمن الحوار، لكن من ضمن ما قال مما استحق أن يضعه الله عز و جل في البؤرة ، في بؤرة ما ينبغي الاعتبار به مما الحاجة إليه في إرشاد الناس و هذا هو ما قصه الله علينا في الكلام الأول ، ثم ما قصه الله علينا في الكلام الثاني و هو يجيب الأول ، لكن التعبير ب ( و هو يحاوره ) معناه كلاما كثيرا كان بينهما ، لكن من ضمن هذا الكلام اختار الله تعالى هذه الجمل و هذه الأقوال بالتحديد ، طيب فالمادة أساسا يعني هو من مكوناته الكلامية في الصنع ، من مكوناته أيضا التي لا يكون حوار بدونها لا يتصور وجود حوار يدون هذا هي الثنائية ، فعلا في ( قال له و هو يحاوره) ، الأولى، و الثانية ( يسمع تحاوركما ) لكن هذه الثنائية ا لا تفيد الحصر، بل يمكن أن يكون التعدد، و لا بأس أن أذكر هذا الحديث الذي ساقه الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في كتاب عمدة التفسير الذي يعنيني منه :( و لما بلغ رسول الله خمس و ثلاثين سنة اجتمعت قريش لبنيان الكعبة ، هذا الحديث طويل مما فيه : ( حتى إذا انتهى إلى الأساس أفضوا إلى حجارة خضر …….أخذ بعضها ببعض ثم إن القبائل من قريش جمعت الحجارة لبنائها كل قبيلة تجمع على حدة ثم بنوها حتى بلغوا البنيان موضع الركن، فاختصموا فيه كل قبيلة تريد أن تضعه دون الأخرى حتى تحاوروا بالجمع – و تخالفوا و أعدوا للقتال …
فإذن دائما الحوار بين أطراف ، طرف طرفان على الأقل في الرأي ، مما يستفاد دائما الحوار يكون بين مختلفين لا في الحديث و لا في القرآن ، أحاديث الحوار بصفة عامة ، فهذا الحديث الصحيح في الإمام البخاري : (كانت بين أبي بكر الصديق و عمر محاورة فأغضب أبو بكر عمر فانصرف عن عمر مغضبا فاتبعه عمر ….)
الحوار من جملة مكونات مفهومه الاختلاف و لكن مع هذا الاختلاف الاستقلالية في رأي الطرفين لكل طرف رأيه الخاص المختلف عن الآخر المستقل ، كذلك في الهدف إذا نظرنا إلى نوع المكون في الهدف هناك مسألة الإقناع بوجهة نظر ، دائما المحاور له هدف في حواره ، هو أنه ينطلق باستقلال من وجهة نظره يهدف إلى أن يقنع الآخر بوجهة نظره .
الأسلوب كما في الأسلوب أيضا التبعية لنوع الشخصية ، لأننا إذا حللنا حوار الذي قال : ( أنا أكثر منك مالا و أعز نفرا ، و الآخر قال : ( أكفرت بالذي خلقك من تراب ) إذا حللته تجده أسلوب الداعية الحكيم المؤمن .

النقطة الرابعة : في علاقة الحوار بمرادفاته في القرآن الكريم عندنا اللفظان المشهوران : الحجاج و الجدال .

الحجاج لم يرد في القرآن كله إلا خصومة بباطل من مبطل ، و قد نص على هذا ابن عاشور، لكن من تتبع الآيات يجد أنه لم يثبت في القرآن كله لنبي أو عبد صالح .
الذين يحاججون بصفة عامة في القرآن من حيث مصدره من يحاجج بصفة عامة هو المبطل و يحاجج في باطل.
لفظ الجدال ، الخصوصية التي تميزه ، الجدال استدلال بقصد الدفاع و الغلبة ، لذلك ربطه البعض بمعنى الجدل و الجدالة هي الأرض ، يعني ألقاه على الجدالة صرعه على الأرض الصلبة .
الحوار أعم من كل ذلك و ليس من شرط وجوده وجود ما تقدم، المعاني التي توجد في الجدال و الحجاج قد لا توجد في الحوار .

النقطة الخامسة و الأخيرة : في كون الحوار الفضاء الأفسح للتواصل ننظر إليه من ثلاث زوايا في تلك الآيات : بين مريد الآخرة و مريد الدنيا ، هل يكون الحوار، و بين المؤمنين أنفسهم ذكرانا و إناثا كما في سورة المجادلة ، و بين الرؤساء و المرؤوسين كما في حال سورة المجادلة أيضا كل ذلك .

و أخيرا خاتمة : في ضرورة التعاون العلمي و المالي على مشروع المعجم المفهومي للقرآن الكريم .
القرآن الكريم باختصار بحاجة ماسة إلى دراسة لألفاظه من جديد تستوعب جهود الأقدمين لا في كتب التفسير ، و لا في كتب المفردات و غريب القرآن ، و لا في غير ذلك من جهود المعجميين بصفة عامة الذين جزاهم الله خيرا ما انفصلوا عن لغة القرآن كما ينعق بعض الناعقين اليوم ليفصلوا الأمة عن لغة القرآن هذا ما كان و ما ينبغي أن يكون .
بعد ذلك الاستيعاب ينبغي تركيز النظر بمنهجية حقيقية مثل ما هو موجود في معهد الدراسات المصطلحية –منهجية خاصة لدراسة الألفاظ في القرآن الكريم نفسه – لاستخلاص الدلالة الخاصة بكل لفظ ، وفق الأنساق التي لها في بنية القرآن البنية المفهومية للقرآن الكريم و بالله التوفيق و و رحمة الله .

أهمية الحوار بين أفراد الأسرة
لكل حوار هدف الوصول إلى نتيجة مرضية للطرفين المتحاورين ويختلف هدف الحوار باختلاف المواقف الحياتية. 
ويعد الحوار الأسري أهم وسائل الاتصال الفعالة والتي تحقق نتائج نفسية وتربوية ودينية واجتماعية وإيجابية.‏ 
فالحوار وسيلة بنائية علاجية تساعد في حل كثير من المشكلات كما أنه الوسيلة المثلى لبناء جو أسري سليم يدعم نمو الأطفال ويؤدي بهم إلى تكوين شخصية سليمة قوية إيجابية كما أنه يدعم العلاقات الأسرية بشكل عام أي علاقة الآباء بالأبناء وعلاقات الأزواج فيما بينهم.‏ 
الإيجابي بناء العلاقات الإيجابية بين الوالدين والأولاد حيث يؤدي إلى الاحترام المتبادل بينهما كما أنه يؤدي إلى التقبل ونبذ الصراع.‏ 
كذلك يساعد الحوار مع الأبناء على تعزيز ثقتهم بأنفسهم وتأكيد ذواتهم حيث ينمي استقلالية الأطفال ويشجعهم على اتخاذ قراراتهم بأنفسهم فالطفل الذي يتحاور في المنزل ويجد من يسمعه يخرج للعالم وهو يشعر بأنه إنسان له الحق أن يسمعه الآخرون وأن يعبر عن آرائه ويطالب بحقوقه وتظهر آثار الحوار من خلال تصرفات الأولاد والتعبير عن مشاعرهم سواء أكانت عدائية أو مشاعر قلق وخوف أو صراعات نفسية واحباطات وكبتاً ضمن هذا السياق يأتي الحوار ليكون فرصة بالنسبة للآباء للعمل على معالجة مثل تلك المشكلات هذا بالإضافة إلى أن الحوار بين الآباء والأبناء يؤدي إلى التآلف والتعاطف وبناء علاقة ودية حيث يشعر كل من الطرفين بقرب الطرف الآخر منه واهتمامه بمشكلاته ويؤدي أيضاً إلى التكاشف وإزالة الفحوص وقد يطور الحوار العلاقة بين الآباء والأبناء إلى علاقة صداقة فتتلاشى الحواجز المعهودة والتي وضعت منذ أقدم الأزمنة والتي كانت تمنع الأولاد من الإفصاح عما يجول في خاطرهم فيتعلم الطفل أن يصارح أباه أو أمه بكل ما قد خطر بباله ومن المعروف بأن الحوار السائد بين الآباء والأبناء حوار يتعلق بأمور الدراسة وهذا ما يجعل الحوار أمراً مملاً إذ لا بد من حوار الأبناء فيما يتعلق بأحاسيسهم ومشاعرهم وإرادتهم وأفكارهم.‏ 
أما بالنسبة للمراهقين فعلى الأهل إدراك اختلاف الحوار وذلك بسبب الاختلاف الطبيعي بين الأطفال والمراهقين حيث تتطلب محاورة المراهقين تحكيماً أكبر للعقل وللتحليل المنطقي ورداً على سؤال يتعلق بأهمية الحوار بين الزوجين تقول الدكتورة نجوى: الحوار بين الزوجين هو مفتاح التفاهم والانسجام وهو القناة التي توصلنا للآخرين فعندما نتحاور نعبر عن أنفسنا وعن حياتنا وعن 
الكثيرة ومتطلبات أطفالنا تجعل الزوجين في حال انشغال دائم فالأب مشغول بجمع المال والأم مشغولة بتربية الأطفال إن لم تكن تعمل خارج المنزل أيضاً, فلا يلتقي الزوجان إلا ساعات محدودة يومياً ما يؤدي بهما إلى فقدان الحوار فيصبحان غريبان في بيت واحد, يجهلان عن بعضهما الكثير وقد يكون غياب الحوار إرادياً من أجل أحد الزوجين ربما بسبب اليأس من تغيير طباع الآخر هذا يجعل إيثار السلامة بالصمت أو قد يكون السبب الخوف من تكرار محاولات فشلت لإقامة حوار 
أما بالنسبة إلى الحوار مع الأولاد فمن الواضح أن معوقاته كثيرة ربما تعود أغلبها إلى الأهل فقد يعمد الأهل إلى اسكات الولد عند محاولته التكلم عن أمر ما يشغله وهذا يجعل الولد يمتنع عن التكلم مرة أخرى هذا بالإضافة إلى مسألة الفوارق العمرية التي تلعب دوراً هاماً في غياب الحوار.‏ 
أخيراً لا بد من التأكيد على ضرورة الحوار الأسري الإيجابي الموضوعي, فالحوار الصادق والعميق يفتح القلوب بين الآباء والأبناء وبين الأزواج فيسود الأسرة مزيدا من المحبة والتألق والصدق والانشراح.‏
أصول الحوار : 

الأول : 
سلوك الطرق العلمية والتزامها ، من تقديم الأولى المثبتة أو المرجحة للدعوى ، ومن صحة الثقل في الأمور المنقولة قال تعالى : (قل هاتوا برهانكم ). ولذا قال العلماء : إن كنت ناقلاً فالصحة ، وإن كنت مدعياً فالدليل . 
الثاني : 
سلامة كلام المناظر ودليله من التناقض . وهذا ما وقع فيه أهل الشرك الذين قال الله عنهم ( وإن يروا آية يعرضوا و يقولوا سحر مستمر ) وهو تناقض ، فالسحر لا يكون مستمراً والمستمر لا يكون سحراً وهذا على أحد الوجهين في تفسير الآية . 
الثالث : 
ألا يكون الدليل هو عن الدعوى . وإلا كان إعادة للدعوى بضعة أخرى . 
لرابع : 
الاتفاق على منطلقات ثابتة وقضايا مسلَّمة سواء كانت عقلية أم نقلية كأوامر الشرع الصريحة كالأمر بالحجاب ونحوه ومن الخطأ غير المقصود عند بعض الكاتبين إثارة قضية حسمها الشرع كالحجاب بقصد إثباتها وصلاحيتها. 
الخامس : 
التجرد وقصد الحق ، والبعد عن التعصب ، والالتـزام بأدب الحوار : 
قال الشافعي رحمه الله : " ما كلمت أحداً قط إلا أحببت أن يوفق ويسدد ويعان ، وتكون عليه رعاية الله وحفظه ، وما ناظرني فباليت ! أظهرت الحجة على لسانه أو لساني ". 
الأصل السادس : 
أهلية المحاور ، فمن الخطأ أن يتصرف للدفاع عن الحق من كان على الباطل ، أو من لا يعرف الحق ، أو من لا يجيد الدفاع عن الحق ، أو من لا يدرك مسالك الباطل ، والذي يجمع ذلك كلمة ( العلم ). 
الأصل السابع : 
قطعية النتائج ونسبيتها ، فليس من شرط الحوار الناجح أن ينتهي أحد الطرفين إلى قول الآخر. 
الأصل الثامن : 
الرضا والقبول بالنتائج التي يتوصل إليها المتحاورون ، والالتـزام الجاد بها ، وبما يترتب عليها ، قال الشافعي رحمه الله : " ما ناظرت أحداً فقبل مني الحجة إلا عظم في عيني ولا ردها إلا سقط من عيني ". 
أدب الحوار : 
1/ التـزام القول الحسن ، وتجنب منهج التحدي والإفحام ( وقول للناس حسناً ) لأن كسب القلوب على كسب المواقف . ويتثنى من ذلك ما بين الله تعالى بقوله : ( لا يحب الله الجهر بالسوء إلا من ظلم ). 
ومن الأدب : تحاشي استخدام ضمير المتكلم إفراد أو جمعاً عند المناقشة والحوار . 
ومنه : ألا يفترض في صاحبه الذكاء المفرط ، كما لا يفترض فيه الغباء والمطبق وإنما يأخذه بحسب عقله ومدراكه . 
2/ الالتـزام بوقت محدد في الكلام وإلا حصل الملل وعدم القبول وأغلب أسباب الإطالة ترجع إلى ما يلي : 
أ – إعجاب المرء بنفسه . 
ب- حب الشهرة والثناء . 
ج- ظنه أنه آت بجديد . 
د- قلة المبالاة بالناس في علمهم ووقتهم وظرفهم . 
3/ حسن الاستماع وأدب الإنصات وتجنب المقاطعة : فمن الخطأ أن تحصر همك في التفكير فيما ستقوله ، فلا تلقي بالاً لمحدثك ومحاورك. 
4/ تقديم الخصم واحترامه فإن ذلك يقود إلى قبول الحق والبعد عن الهوى . 
5/ حصر المناظرات في مكان وعدد محدد ، فهو أجمع للفكر والهم وأقرب لصفاء الذهن وأسلم لحسن القصد ، بخلاف الأجواء الجماهيرية المحتشدة ، فإنه يصاحبها أحياناً من حمى الانتصار ووهج التجمع ما يقلل جديتها ومصداقيتها ، كما يحدث أحياناً في بعض الفضائيات وغيرها . 
6 / الإخلاص : 
بعدم حب الظهور والتميز عن الأقران وإظهار البراعة وعمق الثقافة ، والتعالي على النظراء والأنداد والتحقق من جدواه وثمرته لو تم ولذلك إرغام النفس على الإذعان للحق إذا تبين من خصمك . 
و من الخطأ أن تظن أن الحق لا يغار عليه إلا أنت . 
و من الجميل أن توقف الحوار إذا وجدت نفسك قد تغير مسارها ففقدت الإخلاص

الخاتمه:

إن حاجتنا لأدب الحوار ليست حاجة نظرية تجريدية، فالأديب المسلم داعية والداعية الناجح يتمسك بأسباب النجاح، ولا يخالفها، ومثلنا الأعلى القرآن الكريم والتطبيق العملي لأدب الحوار في السنة المطهرة.

 

المراجع:

العلاقات الحضارية
الدكتور محمد جلاء إدريس، دار القلم، 

 

المصدر: https://uqu.edu.sa/page/ar/147543

الحوار الخارجي: 

الأكثر مشاركة في الفيس بوك